"أنا شفت بزيارتي لليابان مدنا كاملة بتكنولوجيا اليابان تعيش تحت المحيط بمدارسها ومطاعمها وملاعبها وبيوتها، ويلعبون تحت الماء كرة قدم وسياراتهم غواصات صغيرة" هذا ما قاله بوهاني- شخصية الممثل الكويتي الراحل خالد النفيسي. وكان رد صديقه سعد الفرج بمسرحية "حامي الديار": "يا بو هاني، ودي أصدقك، بس قوية، قوية" -أي أنها أغرب من الخيال ويصعب تصديقها. المشهد كان في مقهى يرتاده العاطلون ومحبو الإشاعات والقصص الخيالية. تذكرت هذا المقطع من المسرحية وأنا أقرأ مقالاً نشرته صحيفة "الواشنطن بوست" يوم الاثنين الماضي عن فرنسي اسمه "هيرف جوبير" يسرد قصة أغرب من الخيال عما جرى له في دبي! القصة جاءت ضمن "تقرير" يزعم أن الناس تهرب من دبي- ومن الإمارات العربية المتحدة عموماً- بسبب الأزمة المالية، وأن تداعيات الأزمة ألقت بظلالها على الأجانب العاملين هناك حيث يتعرضون لشتى أنواع المعاناة. ومع ذلك يذكر "التقرير" -متناقضاً- أن عشرين ألف أميركي يعيشون في دبي وحدها! جوبير هذا يقول إنه تعرض للسجن على يد شرطة دبي، وذلك على خلفية مشروع سياحي بشراكة إماراتية فشل بسبب الأزمة المالية و"الانهيار" المالي العالمي. ويمضي جوبير زاعماً أنه خرج من السجن (لم يشرح "التقرير" كيفية خروجه) ولكنه لم يستطع مغادرة الدولة لأن الشرطة قد احتجزت جواز سفره الفرنسي، فقام بإعداد خطة للهروب سبقها ترحيل زوجته الأميركية وطفليه إلى فلوريدا. خطة الهروب "وايد قوية" -كما نقول في الخليج- حيث يقول إنه تعرّف على سواحل الإمارات من خلال الإنترنت على خرائط "جوجل"، وتخفى بزي امرأة تلبس عباءة سوداء في أحد الفنادق القريبة من ذلك الساحل، وسبح إلى أحد قوارب الشرطة وقام بتخريبه كي لا يلحق به، وغاص تحت البحر إلى أن وصل إلى المياه الدولية حيث كان ينتظره صديق على ظهر مركب شراعي، وأبحرا من المياه الدولية بالخليج العربي إلى الهند، ووصل إلى مومباي حيث استخرج جوازاً من القنصلية الفرنسية هناك وطار ليلحق بزوجته وأطفاله في فلوريدا حيث يعيش الآن! طبعاً لم يشرح "التقرير" لماذا لم يلجأ جوبير إلى سفارة بلاده بالإمارات العربية المتحدة بأبوظبي أو إلى قنصليتها بدبي! يذكر أن جوبير "الجبّار" كان جاسوساً فرنسياً ترك الخدمة في جهاز DGSE عام 1993 لأسباب غير معروفة. وبالتقصِّي عن الأمر، اتضح أن جوبير مطلوب لشرطة دبي بقضيتين جنائيتين بتهم النصب والاحتيال، كما أنه مطلوب لشرطة الشارقة بتهمة حيازة سلاح ومواد متفجرة -لا أكثر ولا أقل. المدعو جوبير يكتب الآن كتاباً عنوانه "الهروب من دبي"، وهذه هي كل الحكاية، فكتابة الكتاب يفترض أن تدر عليه أرباحاً تعوض ما فاته من مشروعه بدبي والذي كان اسمه "أكسموس" حيث تشير المعلومات إلى أنه كان غطاء لعمليات النصب والاحتيال ولم ينجح المشروع لأن الغواصات التي وعد بها لا تعمل. "الواشنطن بوست" لم يتحرَّ كاتبها أندرو هيجينز عن صدقية هذه القصة، وكل ما ذكره أن القنصلية الفرنسية بدبي رفضت التعليق على قصة جوبير "الجبّار"، الذي ذكّرنا بقصص أرسين لوبين وأفلام آلان ديلون وجون بول بلميندو. ليس المقصود هنا أن هذه الدولة أو تلك هي جنة الله على الأرض، لكن من الغباء تصديق قصص يعرضها جاسوس سابق من جانب واحد في تشويه للحقيقة من أجل التكسب والاسترزاق. أستعد بعد الانتهاء من هذه المقالة للمغادرة إلى دبي في رحلة عمل. لا زلت أحاول جاهداً الحصول على غرفة في أي فندق في منطقة الجميرة في "عزّ" فصل الصيف!!