الشراكة الأميركية -الهندية: ازدهار في ظل الاختلاف! ------------- لم تمنع الأزمة المالية العالمية بكامل تجلياتها في الخريف الفائت، الرئيس الأميركي السابق بوش الابن من لي يد الكونجرس وإجباره على إقرار تفعيل الصفقة النووية بين الولايات المتحدة والهند. وكان الذي دفع بوش وفريقه إلى ذلك هو شعورهم بأن الهند التي كانت قد صعدت خلال سنوات حكمه من مرتبة الشريك إلى مرتبة "الحليف الطبيعي"، تستحق هذا الاهتمام وتلك الصفقة. قبل ذلك، كان صقور حظر الانتشار النووي في واشنطن قد أسالوا أنهاراً من الحبر في انتقاد تلك الصفقة على أساس أنها ستؤدي إلى تقويض اتفاقية حظر الانتشار النووي باعترافها ضمنياً بوضع الهند كدولية نووية رغم أنها ليست من الدول الموقعة على تلك الاتفاقية. وتقول "تريسيتا شافر" مؤلفة الكتاب الذي نعرضه هنا، وهي دبلوماسية أميركية سابقة مخضرمة خدمت في مختلف عواصم دول جنوب آسيا تقريباً، إنه لو كان بوش قد تأخر في تأمين الموافقة على تلك الاتفاقية فلربما لم تكن ستوقع للأبد على اعتبار أن خلفه في منصبه "أوباما" يبدو أكثر التزاماً بالرؤية العالمية لحظر الانتشار النووي. ولم يكن من المرجح بالتالي أن يوافق على توقيع تلك الاتفاقية. وحتى مع افتراض أن أوباما قد قرر الدخول في مفاوضات مع الهند لتوقيع اتفاقية نووية معها، وهو الاحتمال الذي ترى المؤلفة أنه لم يكن مرجحاً لأن أوباما كان -ولا يزال- مثقلاً بالعديد من المهام العاجلة والمعلقة التي تكاد تلتهم وقته كله. مع ذلك، تعترف المؤلفة بأنه كلما زادت فترة بقاء أوباما في الحكم، زاد إدراكه لحاجة الولايات المتحدة الماسة لتلك الدولة الآسيوية المهمة. ومع اعتراف المؤلفة بالعلاقة المزدهرة مع العملاق الهندي، فإنها في تشريحها الأكثر تفصيلاً ودقة لطبيعة العلاقة بين الدولتين، تعرب عن اعتقادها بأن تلك العلاقة ستواجه الكثير من الصعوبات خلال السنوات القادمة، بسبب الرؤية التي يتبناها بعض صناع القرار في واشنطن، وفحواها أن الولايات المتحدة يمكن أن تستغل ازدهار علاقتها بالهند في إقناع تلك الدولة بالعمل كوكيل أو ممثل لها في المنطقة، وهو دور ترى المؤلفة أن أحداً في الهند لن يقبل بحال لبلاده أن تلعبه. ولتوضيح وجهة نظرها حول هذه النقطة، تقول المؤلفة إن الولايات المتحدة قد بذلت جهداً مضنياً خلال السنوات الست الأخيرة لاحتواء طموحات الهند النووية، ومقاومة ضغوطها الرامية لإقناع المسؤولين في واشنطن برفع القيود المفروضة على تصدير المواد "مزدوجة الاستخدام"، كما أن واشنطن لم تجد في نيودلهي ذلك الشريك الذي يقبل أن يلعب دوراً تابعاً بدليل أنها لم تصوت إلى جانب الولايات المتحدة في المنظمة الدولية في كثير من الحالات، بل رأت فيها دولة تميل إلى اتباع سياسات مستقلة حتى لو تناقضت مع السياسات الأميركية طالما كان ذلك يصب في مصلحتها الخاصة، كما حدث على سبيل المثال في الجولة الأخيرة من مباحثات الدوحة عندما قاومت الهند كافة المحاولات التي قامت بها الدول الغربية للاستمرار في تقديم دعم سخي لمزارعيها، وهو إجراء ترى العديد من الدول النامية، وعلى رأسها الهند، أنه يضر بمزارعيها الفقراء وبقدرتها التنافسية في مجال تصدير الحاصلات الزراعية. ولم تكن هذه المسألة الوحيدة التي تتعارض فيها مصالح الهند مع مصالح الولايات المتحدة، بل إن نيودلهي تتبنى موقفاً مختلفاً عن موقف واشنطن في موضوع التغير المناخي، حيث لا توافق على الالتزام بالحدود العليا للانبعاثات الغازية التي تطالب بها الدول الكبرى على أساس أن ذلك سوف يحدّ من قدرتها التنموية، وتصر على عدم الالتزام بهذه الحدود العليا قبل حلول عام2020. ومع ذلك، فإن الخلافات أو المواقف المتباينة لا تنفي أن العلاقات الهندية- الأميركية تشهد نمواً وازدهاراً متواصلين في العديد من المجالات، خصوصاً على ضوء تنامي المصالح المشتركة بينهما. ومما يساعد على ذلك رغبة الولايات المتحدة في مشاغلة الهند، واستعداد الهند من جانبها للتعاون مع أميركا دائماً. فهي مثلاً كانت من أوائل الدول التي انضمت لحرب بوش العالمية على الإرهاب، كما كانت قبل ذلك بأشهر قليلة من أوائل الدول التي وافقت على خططه الخاصة ببرنامج "حرب النجوم". وفي الوقت الراهن، تقوم السفن الهندية بمرافقة السفن الأميركية في إطار التعاون بين الدولتين لمواجهة القرصنة في المحيط الهندي. ويضاف إلى هذا الروابط الاقتصادية المتينة التي تزداد وثوقاً. أما بالنسبة لموقف الهند من منظمة التجارة العالمية، وهو من المواقف التي قد تعوق قليلاً مسيرة العلاقة بينهما، فإن الولايات المتحدة ترى أنها ليست في وضع يسمح لها بتقديم المواعظ للهند وهي شبه قارة تعج بجماعات المصالح وبالسياسيين الذين يسعون بكل وسيلة لاستغلال كل فرصة لتأمين إعادة انتخابهم حتى لو كان ذلك على حساب علاقات بلادهم بالدول الأخرى. سعيد كامل ------ الكتاب: الهند والولايات المتحدة في القرن الحادي والعشرين: إعادة صياغة الشراكة المؤلف: تيريسيتا سي. شافر الناشر: مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية تاريخ النشر: 2009