بين اللعبة الكبرى في أفغانستان.. وازدواجية الاحتقان في نيجيريا --------- أفغانستان والدواعي الحقيقية للاهتمام الغربي، وأحداث سيكيانج تلقي بظلالها على العلاقة بين الصين وأستراليا، وأزمة نيجيريا، ومقاربة جديدة للتعامل مع بورما.. موضوعات أربعة استقطبت اهتمام الصحافة الدولية. --------- أفغانستان واللعبة الكبرى الجديدة: لماذا تبدو أفغانستان مهمة لهذه الدرجة بالنسبة للغرب؟ هذا هو السؤال الذي يحاول الكاتب والخبير الكندي في مجال الطاقة، "جون فوستر"، الإجابة عنه في مقاله المنشور يوم الأربعاء الماضي بصحيفة "تورنتو ستار" الكندية. فبإلقاء نظرة خاطفة على خريطة المنطقة المحيطة بأفغانستان وبمعرفة الدول المجاورة وموقعها الجيوستراتيجي على خريطة الطاقة الدولية، سيتضح حينئذ سبب الاهتمام الأميركي والغربي عموماً بأفغانستان والحرص على الوجود فيها وتأمينها، ذلك أن أفغانستان تجاور بلدان الشرق الأوسط الغنية بالنفط والغاز الطبيعي. وعلى رغم قلة الموارد الطبيعية في أفغانستان نفسها، إلا أن موقعها الجغرافي مهم للغاية بسبب مجاورتها لكل من إيران وتركمانستان، وهما بلدان يتوافران على ثاني وثالث أكبر احتياطي للغاز الطبيعي في العالم، على التوالي. وفي هذا الإطار، تبرز أهمية تركمانستان التي لا يمكن الاستفادة من مواردها الهائلة من الغاز الطبيعي وإيصالها إلى الأسواق الغربية دون مد خطوط لنقل الغاز، وهو ما تسعى الدول الكبرى إلى تنفيذه على أرض الواقع، إذ فيما تحاول روسيا مد أنبوب لنقل الغاز الطبيعي، بحيث ينطلق من تركمانستان ويتجه شمالًا ليصل إلى أراضيها، تريد الصين مد خط آخر يتجه نحو الشرق ليزودها بالطاقة الضرورية، في حين تسعى الولايات المتحدة إلى مد خط جنوبي يمر عبر باكستان والهند. وهذا التسابق بين الدول الكبرى لكسب موطئ قدم في المنطقة يسهل عليها مد خطوط لنقل الغاز تناسب مصالحها، هو ما يطلق عليه الكاتب "لعبة الطاقة الكبرى" مع حرص أميركي خاص تدعمه كندا وباقي الدول الغربية لربط ثروات آسيا الوسطى بآسيا الجنوبية لنقلها لاحقاً إلى الأسواق الغربية لتتحول أفغانستان، بذلك، إلى ما يشبه قطعة العقار الثمينة التي تتنافس على حيازتها القوى الكبرى في العالم. أستراليا وأحداث إقليم سيكيانج: خصصت صحيفة "تشاينا دايلي" الصينية افتتاحيتها ليوم أمس الخميس للحديث عن تطورات قضية الإيجور في غرب الصين، لكن هذه المرة على الصعيدين الإقليمي والدولي، وتحديداً بالإشارة إلى ردة الفعل الأسترالية على خلفية الانتقادات التي وجهتها الصحافة الأسترالية مؤخراً لأحد الدبلوماسيين الصينيين الذي قيل إنه سعى إلى تعطيل تظاهرة نظمت في أستراليا تعاطفاً مع شعب الإيجور. فقد أوضحت الصحيفة أن الأمر يتعلق فقط بسعي الدبلوماسي في إطار عمله إلى الاتصال بوسائل الإعلام الأسترالية وإبراز وجهة النظر الصينية إزاء المواجهات الدامية التي دارت في الشهر الماضي، وتوضيح بعض الحقائق التي ظلت غائبة كما تقول الصحيفة عن أذهان المسؤولين والرأي العام في أستراليا، وهو ما فُهم خطأ على أنه محاولة للضغط على وسائل الإعلام، أو ممارسة نوع من الرقابة على عملها. وبالطبع، تحاول الصحيفة من خلال الافتتاحية نقل وجهة النظر الصينية التي تقول إن ما قام به سكان مدينة "أورومتشي" يفوق الوصف، واستدعى تدخلاً حازماً لرجال الأمن والشرطة بعد عمليات القتل التي طالت ما يعتقد المتظاهرون أنه شعب جاء من الشرق لسرقة أرزاقهم، والحال -تقول الصحيفة- أن شعب الإيجور هو أول المستفيدين من النمو الاقتصادي الذي حققته الصين في السنوات الأخيرة، وسياسة التحرير الاقتصادي التي انتهجتها على مدار العقد الأخير، معتبرة أن ما تسوقه وسائل الإعلام الأجنبية والأسترالية على وجه التحديد من مغالطات -مثل قولها إن شعب الإيجور يعاني من التهميش الاقتصادي ويعيش ظروفاً صعبة- هي بعيدة عن الصحة وتعوزها الصدقية. أزمة نيجيريا المزمنة: في افتتاحيتها ليوم الأربعاء الماضي، تطرقت صحيفة "ذي جابان تايمز" اليابانية إلى الأزمة الخطيرة التي تعصف بنيجيريا منذ سنوات عديدة دون أن يظهر لها حل في الأفق القريب، فقد لاحظت الصحيفة على خلفية الأحداث الدامية في المناطق الشمالية للبلاد، وما ترتب عليها من سقوط مئات من القتلى، أن نيجيريا في الحقيقة يتقاسمها تمردان أحدهما في الجنوب يطالب الحكومة بتوزيع عادل للثروات النفطية الهائلة التي تزخر بها البلاد، والثاني في الشمال تحركه أيديولوجية دينية متطرفة يعتنقها بعض السكان المسلمين. ونيجيريا بمؤهلاتها الكبيرة، مثل ثقلها السكاني المقدر بحوالي 140 مليون نسمة، وكونها ثامن مصدّر للنفط في العالم، بل إنها كانت إلى وقت قريب هي أكبر مصدّر على الصعيد الأفريقي قبل أن يتراجع إنتاجها بسبب الاضطرابات الأمنية لتسبقها أنجولا، لم تستطع القضاء على الفقر وتحقيق التنمية، حيث يعيش أكثر من 90 في المئة من السكان على أقل من دولارين في اليوم. ولكن الأخطر من ذلك، تقول الصحيفة، هو خط التماس الديني الذي يفصل الجنوب بأغلبيته المسيحية والشمال بسكانه المسلمين، إذ على رغم تبني الولايات الشمالية تطبيق الشريعة الإسلامية بعد مجيء الحكومات المدنية في عام 1999، ظهرت جماعات متطرفة مثل "بوكو حرام"، التي كانت وراء أعمال العنف الأخيرة لتطالب بتطبيق يتماشى مع فهمها الخاص للشريعة، وتطبيق أكثر صرامة لأحكامها، بحيث شنت الجماعة التي كان يترأسها "محمد يوسف" هجمات على مراكز الشرطة ومنشآت حكومية أخرى في المدن الشمالية، مما استدعى تدخل الجيش واندلاع معارك ضارية خلفت 700 قتيل على الأقل. وهذه المواجهات التي يشهدها الشمال، بالإضافة إلى تلك التي تمزق الجنوب بفعل عنف "حركة تحرير دلتا النيجر" هي نتيجة منطقية لما تسميه الصحيفة بثقافة الفساد المتفشية في البلاد وتعاقب حكومات أفقرت الشعب بنهبها لثروات البلاد طيلة العقود السابقة، لا فرق في ذلك بين الأنظمة العسكرية، أو المدنية. "الحاجة إلى مقاربة جديدة تجاه بورما": بهذا العنوان استهلت صحيفة "ذي أستراليان" افتتاحيتها ليوم أمس الخميس داعية إلى ضرورة اعتماد مقاربة جديدة في التعامل مع النظام العسكري الحاكم في بورما بعد صدور حكم جديد على رمز المعارضة "أونج سان كي" والقاضي بتمديد فترة إقامتها الجبرية. فالصحيفة، ترى أن أسلوب العقوبات الذي انتهجه المجتمع الدولي للضغط على النظام العسكري لم يفضِ إلى النتائج المرجوة بسبب الدعم الصيني للنظام والتحفظ الروسي إزاء فرض المزيد من العقوبات، فضلاً عن استمرار بعض دول المنطقة، مثل الهند، في التعامل تجارياً مع النظام، وهذا الواقع بالإضافة إلى المعاناة التي يعيشها الشعب البورمي والخدمات الأساسية التي يفتقدها، يحتم على العالم مراجعة سياسته الحالية وبحث مقاربات جديدة تقوم على مفاوضة النظام دون إضفاء الشرعية على أركانه؛ لأن ما يتعين التركيز عليه في هذه اللحظة هو تخفيف المعاناة الاقتصادية على البورميين وفتح البلاد أمام إمكانات أخرى قد تساهم في تليين مواقف النظام والرجوع به في النهاية إلى جادة الديمقراطية. إعداد: زهير الكساب