يدور الجدل الآن بين العديد من المسؤولين والمحللين السياسيين، حول ما إذا كانت الولايات المتحدة الأميركية قادرة على إلزام إسرائيل بوقف نشاطها الاستيطاني والعودة إلى طاولة المفاوضات وفق الشروط المنصوص عليها في هذه العملية كمدخل لإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، أم أن سياسة واشنطن تجاه إسرائيل أصبحت تتجه نحو تغليب المصالح، أي تغليب التوازن بين مصالحها ومصالح إسرائيل بغض النظر عما سيحدث في مسار الحل الدائم للقضية الفلسطينية! مشروع القانون الأميركي، الذي تم عرضه على مجلس النواب الأميركي والذي يتضمن مطالب منها: الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية إليها من تل أبيب، وإلغاء القانون الذي يعطي الرئيس الأميركي حق "الفيتو" لتأجيل نقل السفارة ومطالبته بتنفيذ بنود قانون عام 1995 الخاص باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، والبدء في نقل مقر السفارة قبل يناير 2012، والعمل على تعريف القدس في الوثائق الحكومية الرسمية الأميركية باعتبارها عاصمة إسرائيل. طرح مثل هذا المشروع في هذا الوقت بالذات، يثير العديد من علامات الاستفهام والعديد من التساؤلات حول مصير الوعود الأميركية وجديتها لإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، ومدى فاعلية تحركات إدارة أوباما في المنطقة، وما إذا كان هدفها الوصول إلى تسوية عادلة ونهائية. واقع التجارب السياسية السابقة مع العديد من الإدارات الأميركية، يؤكد أن مثل هذه التحركات لا تصل إلى نتيجة تخدم المصالح العربية والمسار الإيجابي الذي يخدم القضية الفلسطينية، خاصة في ظل الحكومات اليمينية المتطرفة في إسرائيل. وهنا تجب الإشارة إلى مثالين: الأول، ما ذكره الدكتور حيدر عبدالشافي الذي ترأس الفريق الفلسطيني المفاوض في مؤتمر مدريد، أوائل تسعينيات القرن الماضي، حيث قال: ذهبنا إلى مدريد على أمل أن يتبنى الراعي الأميركي للمفاوضات، موقفاً متوازناً بين المصالح ووجهات النظر الإسرائيلية والفلسطينية. وبذلك حصلت إسرائيل على فرصة القيام بحملة دعائية تظهر الجانب العربي بوصفه رافضاً للسلام. وأضاف الدكتور عبدالشافي: بسبب استمرار إسرائيل في بناء المستوطنات، وانتهاك بنود عملية السلام، فقد وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود، لذلك ذهبنا لمقابلة جيمس بيكر، وزير الخارجية الأميركي الذي حاول حمل إسرائيل على التوقف، لكنها لم تتخل عن موقفها، فعاد إلينا وقال: لماذا لا تضعون هذه المسألة جانباً؟ قلت: هل يمكن تأجيل الأمر؟ لم يحترم الأميركيون مسؤوليتهم كفريق ثالث راع للمفاوضات، وذلك لأنهم سمحوا لإسرائيل بانتهاك القواعد الإجرائية. لقد كان جلوسنا إلى الطاولة غطاءً لإسرائيل وما تقوم به من انتهاكات على الأرض. المثال الثاني: تجربة نتنياهو السابقة في رئاسة الحكومة بين عامي 1996 و1999، حيث دخلت عملية السلام -باعتراف الأميركيين وأهمهم دينيس روس- في حالة من السقوط السريع الذي كان كارثة على السلام. وأيضاً باعتراف مجموعة كبيرة من المحللين الإسرائيليين، فإن نتنياهو الذي يحمل كراهية كبيرة للفلسطينيين، خرب عملية السلام وبذل جهوداً ضخمة لنزع الصفة الشرعية عن سطلتهم. وحسب ما جاء في كتاب سومانترا بوز، "أرض متنازع عليها"، فإن سنوات نتنياهو في الحكم تميزت بعرقلة مستمرة وتبديل للأهداف، ولم تطبق إسرائيل ما طلب منها في هذه العملية وفقاً للاتفاقات المنصوص عليها. والخوف هذه المرة هو من أن تصل تعهدات الرئيس الأميركي أوباما إلى ما وصل إليه الرئيس الأميركي السابق ترومان، عندما تعهد بمشاركة الولايات المتحدة في مسؤولية وضع فلسطين تحت وصاية دولية، لكن سرعان ما غير ترومن موقفه، واعترفت أميركا بإسرائيل بعد إعلان قيامها مباشرة في 15 مايو 1948. وعندما اعترض عليه بعض المسؤولين الأميركيين، قال لهم: آسف أيها السادة، إن ما فعلته هو رد على مئات الآلاف من الأشخاص القلقين من نجاح الصهيونية، لا يوجد بين ناخبي مئات الآلاف من العرب.