يحقّق المرسوم الذي أصدره صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة -حفظه الله- بتعديل بعض أحكام القانون الاتحادي للشركات التجارية، نقلة نوعية مهمّة على صعيد الموقع التنافسي لاقتصاد دولة الإمارات على مستوى العالم، ويدلّ هذا التعديل، الذي يأتي في إطار جهود مكثفة تقوم بها الدولة على صعيد التنافسية في المرحلة الراهنة، على وعي تام من القيادة السياسية بأهميّة هذه المرحلة، سواء في مسيرة الاقتصاد الوطني الآخذ في النمو، أو في مسيرة الاقتصاد العالمي الذي يمرّ بمرحلة انتقالية، يتأهّب للانطلاق بعدها بتفكير وتوجّهات مغايرة، والمتمعّن في تحرّكات دولة الإمارات المكثفة في هذه المرحلة يرى أنها تمثّل استعداداً وتأهّباً لمواكبة الفرص التي يمكن أن تتولّد عن الانطلاقة المنتظرة للاقتصاد العالمي واقتناصها. ويقضي التعديل الذي أصدره صاحب السمو رئيس الدولة بإلغاء شرط الحد الأدنى لرأسمال الشركات ذات المسؤولية المحدودة، الذي كان محدّداً في مواد القانون السابق بـ(150) ألف درهم، ويعدّ هذا التعديل من أهم أشكال الدعم المادي الذي يمكن أن تقدّمه الدولة للمشروعات الجديدة، وبجانب ذلك فإن هذه التعديلات تقضي بإلغاء شرط الحصول على شهادة مصرفية لمؤسس الشركة كشرط للتأسيس، وهو ما من شأنه التقليل من الإجراءات التأسيسية للمشروعات واختصار الوقت اللازم لعملية التأسيس والتي تعدّ من أهم المؤشرات التي يستدلّ بها على جودة مناخ الاستثمار بأي دولة. وهذه التعديلات في مجملها، سوف تعطي دفعة معنوية كبيرة لحركة الاستثمار في الدولة، فهي ستشجع رؤوس الأموال الوطنية الصغيرة على تنويع استثماراتها، فبدلاً من التركّز في جانب الاستثمارات المالية، يتوقّع أن يتوجّه جزء كبير منها لاستغلال فرص الاستثمار المباشر المتاحة في الدولة في صورة مشروعات صغيرة ومتوسطة، التي تعدّ محرّكاً من أهم محرّكات النمو الاقتصادي سواء على مستوى الدولة أو المنطقة أو في معظم اقتصادات العالم، لما لها من آثار تنموية حقيقية، من خلال ما تولّده من قيمة مضافة جديدة في الاقتصاد إلى جانب ما توجده من فرص عمل جديدة، ما سيكون له عظيم الأثر في بناء القدرات الحقيقية للاقتصاد الوطني وتمكينه من النمو المستدام. وبالإضافة إلى ذلك، فإن هذه التعديلات التي تأتي في موعدها سوف تضفي المزيد من الجاذبية على الصورة الخارجية للاقتصاد الوطني، فمن شأن هذه التعديلات أن تجعل إجراءات تأسيس المشروعات الجديدة أكثر سهولة من ذي قبل، ومن المتوقع أن يؤدي ذلك إلى تحسين ترتيب الاقتصاد الوطني من المرتبة 46 عالمياً إلى المرتبة 25، وفقاً لـ"مؤشر سهولة أداء الأعمال"، كما أن هذه التعديلات سوف يكون لها تأثير إيجابي كبير في القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني على المستوى الدولي، ويتوقع أن تؤدي هذه التعديلات إلى تحسين ترتيب الدولة بنحو 5 مراتب على الأقل، وفقاً لـ"مؤشر التنافسية الدولية"، وهو ما سيزيد بالطبع من جاذبية الاقتصاد الوطني لرؤوس الأموال الأجنبية التي ستجد بيئته الاستثمارية أكثر مرونة وأقل تعقيداً، كما أنه سيجتذب فئة جديدة من رؤوس الأموال الصغيرة التي ستتدفق على الدولة لاستغلال الفرص الاستثمارية الواعدة. وتأتي التعديلات الجديدة في قانون الشركات لتزيد من صدقية دولة الإمارات فيما يتعلّق بقدرة اقتصادها ومتانته، وصدق مساعيها نحو جعل نفسها مركزاً عالمياً للأعمال والأنشطة الاقتصادية، كون هذا الجهد يأتي استكمالاً لمسيرة طويلة بدأتها الدولة على درب تطوير المناخ الاقتصادي والتنافسي، وبعد أن تمكّنت الدولة من توفير البنية التحتية والمعلوماتية المتينة والمتطوّرة، وبعد أن نجحت في تأسيس اقتصاد متنوّع وقادر على النمو المستدام، يمتلك قدرات ذاتية على النمو، يستثمر موقعه في قلب العالم بجعل نفسه بوابه لأسواق المنطقة واقتصاداتها بوجه عام.