غالباً ما يحاول المثقفون والإعلاميون العرب التشبث بأية بادرة أمل يمكن أن تقربهم من شاطئ الحلم الديمقراطي، أو على الأقل تغيّر واقع حالهم المعيشي، وإشباع رغباتهم المخلصة في الفوز بشرف خدمة مجتمعاتهم في الميادين المختلفة. ولعل أهم تلك الميادين ميادين الحقوق، والتسريع في إرساء مبادئ الديمقراطية في العالم العربي. وقد الْتأمت في العاصمة الأردنية عمان في نهاية الشهر الماضي ورشة الإعلاميين الديمقراطيين في محاولة لوضع ميثاق للشبكة، ووضع آليات تحدد مساراتها، ضمن أهداف تمثلت في الآتي: 1- المساهمة في ترسيخ الثقافة الديمقراطية في العالم العربي. 2- العمل على تكريس مبدأ التضامن بين الإعلاميين العرب من أجل الدفاع عن قيم المهنية الصحافية والأخلاقية. 3 - تنسيق الجهود في ترسيخ القيم الديمقراطية، والمدافعة عن حقوق الإعلاميين في الدول العربية. ومع تقديرنا للجهود المخلصة التي بذلها المنظمون لتلك الورشة المهمة -وهم أعضاء لشبكة الديمقراطيين في العالم العربي- والذين نظموا ثلاث ورش سابقة في كل من الجزائر ومصر والبحرين، من أجل ذات الغرض، فإن هنالك حتميات تفرض نفسها على مستقبل الشبكة، ولعل من المفيد مناقشتها، وهي: 1 - موقف الإعلام الرسمي والإعلاميين الرسميين من هذه الشبكة، ومدى إيمانهم بأهدافها. 2 - موقف إعلاميي المؤسسات، أي الإعلاميين الـ\"v.i.p\" من هذه الشبكة، ونعني الإعلاميين \"الأثرياء\" الذين لا يهمهم تطبيق الديمقراطية في العمل الإعلامي أو الدفاع عن حقوق الإعلاميين. 3 - موقف الإعلاميين \"الفقراء\"، الذين تلفظهم المؤسسات الرسمية، ولا تقبلهم المؤسسات الغنية، وبالتالي يكونون عبئاً على حالتهم النفسية والمادية وعلى الشبكة! خصوصاً إن كانوا يقيمون ضمن أنظمة (توتاليتارية) سلطوية تنجح في مراقبة الناس، ولا تسمح لهم بممارسة أي نوع من النشاط الحقوقي أو الديمقراطي. 4 - موقف النخب المؤهلة المستنيرة، التي تعبت من الدعوة للتجمعات ويئست من الاتحادات والجمعيات، وآمنت بأن العالم العربي بحاجة إلى معجزة في وقت ولى فيه زمن المعجزات. إن هذه حتميات تواجه الشبكة اليوم، وقد يكون التمويل أحد أهم عوامل استمرارها ووصولها لأهدافها. وتحتاج الشبكة اليوم إلى مبادرات حقيقية كي نضمن لها النجاح. إننا نعتقد أن الحتميات الراسخة حالياً في العقل العربي، تفرض وجودها واتجاهاتها على واقع حال المؤسسات الإعلامية في العالم العربي. وهي حتميات تعرقل مسيرة الطريق نحو الديمقراطية. بل ولربما تجهض أية محاولة في الاتجاه الديمقراطي. ويستلزم الأمر أيضاً إيمان الجهات التنفيذية للأجهزة الإعلامية بالمبادئ الديمقراطية وتعرفها إلى مبادئ التحول الديمقراطي وحقوق الإنسان، وضرورة تطبيقها في الممارسة اليومية للعمل الإعلامي. كما أن واقع الحال يشير إلى اتجاهات سلبية، بل في \"الاتجاه المعاكس\" للمقاصد والأهداف الداعية لطروحات الديمقراطية واكتشاف حالات الانتهاكات لحقوق الإنسان والإعلامي منها بشكل خاص. ولذلك، فإن الحاجة ماسة لأن يتبوأ المراتب التنفيذية في مؤسسات الإعلام العربية إعلاميون يؤمنون بمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، ويكونون قادرين على التضحية بـ\"كراسيهم\" من أجل ضمان حقوق الآخرين وعدم تجاوزها، وكشف زيف بعض الممارسات الخارقة للمبادئ الديمقراطية. كما لا يجوز النظر إلى مقاصد الشبكة على أنها مقاصد ثورية -كما يتبادر إلى ذهن المسكونين بنظرية المؤامرة- وضرورة رفع نظرية \"المتاريس\" وافتراض وجود رجال شرطة في كل ركن من أركان المؤسسة الإعلامية. كما لا يجوز الاعتقاد دوماً بأن مؤسسات المجتمع المدني دائرة ملائكية لا يعبث بها شياطين الإنس! كما أن نشر حالات الاختراق أو الاجتراء على حقوق الصحافيين أو مناصرة الصحافيين في الدول الأخرى يمكن أن يسبب إحراجات عدة للدول، نظراً لاختلاف نهوجها وتعدد آرائها فيما يتعلق بموضوع الديمقراطية وحقوق الإنسان. ونعتقد أن مسألة التحول الديمقراطي قضية إنسانية في المقام الأول، وهي قضية تحتاج إلى تعاضد جميع سكان الأرض، وأن المنطقة العربية -إن رأت في هذا التحول بعبعاً يهدد مصالح البعض فيها- فإنها (المنطقة) مقبلة على هذا التحول، مهما طال الزمن، ومهما تفنن البعض في الاجتراء على حقوق الآخرين. إننا ندرك أن الإعلام في العالم العربي يعاني أوجه قصور عديدة، ليس فقط في تغييب الرأي أو الصدق أو الديمقراطية أو الممارسة المهنية للعمل الإعلامي، بل أيضاً في التجاذبات السياسية والشخصية بين مالكي الإعلام والأنظمة، وكذلك \"تقليدية\" الأداء الإعلامي الرسمي والخوف من أية إضافات جديدة، قد \"تعكر\" المزاج العام. كما أن الصورة تبدو أكثر قتامة عندما يتحول الإعلام إلى مؤسسة سياسية عقدية -وما أكثر الفضائيات هذه الأيام في السماء العربية من هذه الشاكلة- وبعضها يحاذر من \"إغضاب\" السلطة أو مالك الفضائية. كما نعرف أن دولاً ومؤسسات إعلامية تمتلك إمكانيات مادية هائلة وتصرف -بكل سخاء- على الإعلام وجودته، في الوقت الذي توجد فيه دول ومؤسسات إعلامية تفتقر إلى الإمكانيات المادية، وتعمل ضمن مناخات متواضعة جداً، ناهيك عن طبيعة النظام القائم ودرجة انفتاحه أو انغلاقه. وأخيراً، مرحباً بقيام شبكة الإعلاميين الديمقراطيين في الوطن العربي، وهي خطوة مهمة في تحولنا الحالي، ومن أجل خروجنا من غياهب الظلام الإعلامي إلى الفضاءات الأرحب، التي تلغي الحدود والحواجز بين البشر، متذكرين هنا دور \"الإنترنت\" في هذه المرحلة، وسقوط قبضة الهيمنة على الإعلام، ولا بد لنا أن نتوافق على المقاصد الأساسية والراقية التي قامت عليها تلك الشبكة التي لا تهدف إلى الربح وليس لها رأس مال أيضاً، إلا إيمان منشئيها، وليست مؤدلجة لهذا الطرف أو ذاك، بل تؤمن بالديمقراطية كخيار رئيس، وبرفع حالات الظلم عن أي عضو من أعضائها، بل عن أي إعلامي قد يتعرض للظلم وتثبت ذلك الوقائع والشواهد.