ما زالت التقارير الإقليمية العربية تضع اقتصادات البلدان العربية في خانة واحدة، وذلك على العكس من تقارير المنظمات الدولية التي أصبحت تلمس التفاوت بين البلدان العربية الذي حدث في العقدين الماضيين. وتصنيف البلدان العربية في خانة واحدة ربما كان صحيحاً قبل عشرين عاماً، إلا أنه خلال السنوات الماضية حدثت تغيرات نوعية في البنية الاقتصادية والاجتماعية لهذه البلدان، وازدادت الفجوة بينها فيما يتعلق بالعديد من المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية. وفي هذا الصدد، ارتفعت المستويات المعيشية واستخدام التقنيات الحديثة في بعض البلدان العربية لتصل إلى مستويات البلدان المتقدمة، بما في ذلك نسب استخدام "الإنترنت" ومستويات الخدمات التعليمية والصحية والسكانية وحصة دخل الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، حيث تأتي بلدان مجلس التعاون الخليجي في مقدمة هذه البلدان، وذلك بالإضافة إلى بعض البلدان العربية غير نفطية، كالمغرب على سبيل المثال التي حققت تقدماً ملحوظاً في استخدام التقنيات الحديثة ومستويات التعليم. وفي الوقت نفسه، ظلت العديد من البلدان العربية تراوح مكانها لأسباب لا تتعلق بتوافر الثروة فقط، وإنما تتعلق بإدارة التنمية أيضاً، إذ إن هناك بلداناً غنية من خارج مجلس التعاون لم تستفد من الطفرة النفطية في السنوات الخمس الماضية، كما أن مستويات الخدمات واستخدام التقنيات الحديثة ظلا أقل من المعدلات العالمية، وذلك إلى جانب البنى التحتية التي تطورت بصورة بطيئة لا تتناسب والإمكانات المتوافرة. ومن هنا، فإن مؤشرات التنمية البشرية في دول مجلس التعاون الواردة في تقرير التنمية البشرية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 2007/2008 تضع بلدان المجلس في مستويات متقدمة إلى جانب البلدان الغربية المتطورة في العديد من المؤشرات، في حين تحتل بلدان عربية أخرى ذيل القائمة. ولذلك، فإن التصنيفات المعتمدة في المنظمات الإقليمية العربية لا بد أن تتم مراجعتها لتتناسب والتغيرات التي حدثت في البنية الاقتصادية والاجتماعية في البلدان العربية في السنوات الماضية، فالتفاوتات أصبحت ملحوظة من خلال متابعة مؤشرات التنمية في هذه البلدان. وبما أن هذه التقارير لا تراعي مسألة إدارة التنمية ولا توْلِيها الأهمية التي تستحقها، فإنها تكتفي بتقسيم البلدان العربية إلى بلدان غنية وأخرى فقيرة، ودون الأخذ في عين الاعتبار النجاحات التي تحققها بعض البلدان المصنفة بأنها فقيرة في العديد من المجالات الاقتصادية والاجتماعية. ومع أن هذا لا يعني أنه لا توجد سمات مشتركة بين البلدان العربية في بعض الجوانب، كنسبة الإنفاق على البحث العلمي بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي، إلا أن هذه الجوانب لا تعوق الفرز القائم في المجالات التي تحدثنا عنها، والتي يتم التركيز عليها في التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية. ووفقاً للتقرير المشار إليه، فإن استخدام "الإنترنت" لكل ألف فرد سجل 668 في اليابان و430 في فرنسا وفنلندا و173 كمتوسط لدول مجلس التعاون الخليجي و152 في المغرب و118 في الأردن و36 فقط في ليبيا و9 في اليمن، مما يساعد على إشاعة استخدام التقنيات الحديثة ويساهم في بناء اقتصاد المعرفة في البلدان ذات الاستخدام العالي للشبكة العنكبوتية. أما دخل الفرد من الناتج القومي، فقد بلغ 31 ألف دولار أميركي في كل من اليابان وفرنسا وفنلندا، و21 ألف دولار كمتوسط في دول مجلس التعاون، و5.5 آلاف في كل من المغرب والأردن، و9 آلاف في ليبيا، وألف دولار فقط في اليمن. والحال أن أهمية هذه الأرقام تهدف إلى تشجيع البلدان العربية التي ما زالت فيها معدلات التنمية البشرية منخفضة لزيادة الاستثمارات في مجال التعليم والصحة واستخدام التقنيات الحديثة وتطوير بعض القطاعات الاقتصادية لرفع مستويات المعيشة، فالمغرب تمكن من التحول إلى مركز لصناعة أجهزة الاتصالات وأشباه الموصلات لبعض مراكز الصناعات العالمية الكبرى، كشركة "إيرباص" العملاقة وشركات أجهزة الهاتف المتنقل ذات "الماركات" العالمية. كما أن ذلك يشجع البلدان العربية الأخرى على الاهتمام بالبحوث والابتكارات العلمية، لتضيف مكاسب أخرى إلى جانب المكاسب التي حققتها في العديد من المجالات. ولذلك، فإن إعادة تصنيف البلدان العربية وفق المعايير العالمية ستؤدي إلى إيجاد منافسة لتحقيق مستويات جيدة من الأداء واستخدام الموارد لرفع المستويات المعيشية واكتساب قدرات جديدة للمنافسة في عصر اقتصاد المعرفة الذي يتيح الكثير من الفرص لكافة البلدان، بما في ذلك البلدان ذات الموارد المحدودة. د. محمد العسومي