تلقى المشروعات الثقافية الاهتمام والرعاية الكاملين من جانب الدولة وقيادتها الرشيدة، ليس لكونها أحد مؤشرات النهضة الحضارية فقط، وإنما لأن هذه المشروعات لها أبعادها السياحية والاقتصادية المهمّة أيضاً، فالثقافة باتت إحدى البوابات الحقيقية لنجاح بقيّة خطط التنمية في تحقيق أهدافها المنشودة. ومن هنا، تبرز قيمة الدعم الذي تحظى به المشروعات الثقافية في أبوظبي من جانب الدولة وقياداتها الرشيدة، وفي مقدّمتهم صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة -حفظه الله- الذي يحرص بنفسه على متابعة الإنجازات التي تحقّقت في هذه المشروعات، واتّضح هذا بشكل لافت للنظر خلال تفقّد سموه المشروعات الثقافية والسياحية في جزيرتي \"السعديات\" و\"ياس\" ومنطقة \"شاطئ الراحة\" في أبوظبي، مؤخراً، فقد وجّه صاحب السمو رئيس الدولة القائمين على هذه المشروعات بالتركيز على أعمال مشروعات البنية التحتيّة الأساسية والخدمية وفق أفضل المعايير الدولية المعمول بها. الاهتمام بهذه المشروعات وغيرها يأتي في سياق سعي أبوظبي إلى أن تصبح واحة ثقافية تتجاوز حدود الجغرافيا؛ بما تمتلكه من مشروعات وخطط مستقبلية مهمة، تنطلق من قناعة راسخة بقيمة الثقافة ودور الإبداع في حياة الأمم والشعوب الناهظة. ولعلّ أهم ما يميّز هذه المشروعات الثقافية أنها تخدم خطط التنمية، ولا تنفصل عنها، فمثلاً مشروع \"جزيرة السعديات\"، الذي سيفتتح متحف \"لوفر أبوظبي\" أحد أهم المشروعات الثقافية في المنطقة عام 2012، له أيضاً مردوده الاقتصادي المهم، فالطابع السياحي للجزيرة، بالنظر إلى ما تمتلكه من عناصر ومقوّمات بيئية فريدة، يجعلها مقصداً سياحياً عالمياً. كما تتميّز المشروعات الثقافية في أبوظبي، بأنها تمزج بين الخصوصية الثقافية والحضارية والمجتمعية للداخل من ناحية، والانفتاح على الثقافات الأخرى من ناحية ثانية، وهذا التمازج يؤهّل أبوظبي كي تصبح مستقبلاً نقطة التقاء ثقافية تجمع بين الغرب والشرق، ويتّضح هذا التمازج والانفتاح من حجم المشروعات الثقافية الكبيرة التي تمّ إنجازها خلال السنوات القليلة الماضية، فـ\"جائزة الشيخ زايد للكتاب\" تستمدّ أهميّتها ليس من كونها الأكبر على مستوى العالم وحسب، إذ تبلغ قيمتها سبعة ملايين درهم، وإنما، وهذا هو الأهم، أنها تشكّل نقطة جذب نوعية للثقافة والمثقفين، وقوة دافعة للحركة الثقافية في مختلف أرجاء العالم العربي أيضاً، كون الغايات النبيلة لهذه الجائزة لا تقتصر على تشجيع المبدعين والمفكّرين في مجالات المعرفة والثقافة والفنون، بل تسهم بقوّة في تشجيع حركة الثقافة والإبداع من خلال الكتاب تأليفاً ونشراً وترجمة وتوزيعاً. في هذا السياق أيضاً، يبرز \"معرض أبوظبي الدّولي للكتاب\"، والذي شهد تطوّراً كبيراً خلال الفترة الماضية جعله من معارض الكتب الرّائدة في منطقة الشرق الأوسط، إضافة إلى مشروع \"كلمة\" للتّرجمة، والذي يهدف إلى ترجمة نحو مئة كتاب سنوياً إلى العربيّة في مختلف حقول المعرفة في الشرق والغرب. يضاف إلى ما سبق مشروعان ثقافيّان أصبحا من العلامات الثقافيّة، ليس في الإمارات وحدها، وإنّما في العالم العربي كلّه: أولهما برنامج \"شاعر المليون\"، الذي يرسّخ مكانته وصدقيّته عاماً بعد آخر، باعتباره منبراً رئيسياً للشعر النبطي. وثانيهما برنامج \"أمير الشعراء\" الذي جعل أبوظبي قبلة لكلّ روّاد الشعر العربي الفصيح ومحبّيه. هذه المشروعات الثقافية العديدة تنطوي على دلالتين مهمّتين: الأولى أن أبوظبي تطرح نفسها كنموذج ثقافي عالمي، قادر على بناء قنوات اتصال حضاري وقواسم مشتركة مع الثقافات العالمية، وهذا يجد روافده في ثقافتها المحلية التي تؤمن بالتعايش بين مختلف الجنسيات التي تأتي إليها للعمل، وتحمل قيماً وثقافات مختلفة. والثانية أن المشروعات الثقافية دخلت بقوّة على خط التنافس على التفوّق والتميّز بين مختلف قطاعات التنمية في الدولة، وأصبحت تقوم بدور تنموي مهم، سواء بالنسبة إلى طابعها السياحي أو نتيجة؛ لأنها توفر نافذة مهمّة يمكن من خلالها الترويج لما تمتلكه الدولة من مقوّمات وإمكانات كبيرة في مختلف المجالات. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة \"أخبار الساعة\" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.