قالت هيلاري كلينتون في تصريح لها بكينيا الأسبوع المنصرم إنها تشعر بـ\" أسف عميق\"؛ لأن الولايات المتحدة ليست عضواً في المحكمة الجنائية الدولية التي أُنشئت في \"لاهاي\" لمحاكمة مجرمي الحرب، ومرتكبي عمليات الإبادة الجماعية، وغيرها من الجرائم ضد الإنسانية. وكانت إدارة بوش قد تعرضت لانتقادات حادة من قبل المجتمع الدولي نظراً للموقف العدائي الذي اتخذته ضد المحكمة خلال فترة ولايتها الأولى، وإن كانت الحقيقة أن تحفظات الولايات المتحدة على إنشاء تلك المحكمة قد سبقت ولاية جورج بوش، كما يتوقع لها الاستمرار في عهد سلفه أوباما أيضاً. ويُتوقع أن تسعى إدارة أوباما لبذل جهود أكبر من أجل التعاطي مع هذه المحكمة، إلا أنه من غير المرجح أن تنضم إليها في القريب العاجل. مسؤولو إدارة كلينتون شاركوا في المفاوضات التي قادت إلى التوصل إلى ما يعرف بـ\"قانون روما الأساسي\"، أو الاتفاقية الدولية التي على أساسها تم إنشاء المحكمة الجنائية الدولية عام 1998، إلا أنهم أخفقوا في إقناع الدول الأخرى بضرورة معالجة مخاوف المؤسسة العسكرية الأميركية المتعلقة باحتمال تعريض أعضائها لمحاكمات مسيسة بواسطة المحكمة. في نهاية الأمر، أصدر الرئيس كلينتون قراراً بالتوقيع على قانون روما الأساسي في الحادي والثلاثي من ديسمبر عام 2000، وهو الموعد النهائي للتوقيع على الاتفاقية، غير أنه ما لبث أن عبر عن قلقه بشأن احتواء المعاهدة على\"عيوب كبيرة \" عندما قال: أنا شخصياً لن أقوم، كما أنني لا أنصح أي رئيس يأتي بعدي، بأن يقوم بتسليم هذه الاتفاقية لمجلس الشيوخ لإبداء النصح والموافقة عليها ما لم تتم إزالة كافة دواعي قلقنا بشأنها\". وقد تطورت سياسة الولايات المتحدة تجاه المحاكمة على نحو دال خلال فترة رئاسة بوش. ففي مايو 2002، أصدر بوش -ضمن اعتراضه على الاقتراح الخاص بمد صلاحية المحكمة، بحيث تغطي المواطنين الأميركيين- قراراً بإلغاء موافقة إدارة كلينتون على قرارها القاضي بالتوقيع على قانون روما الأساسي. بعد ذلك، وقع بوش على قانون حماية الأفراد العسكريين الأميركيين، الذي تضمن انتقاداً للمحكمة الجنائية الدولية كما قطع المساعدات الأجنبية عن أعضائها. وعلى الرغم من أن مؤيدي المحكمة وجهوا لوماً لبوش بسبب هذا القانون الذي اعتبروه صارماً، إلا القانون وجد تأييداً من أعضاء مجلس النواب من \"الجمهوريين\"، بل ومن قبل الكثير من \"الديمقراطيين\" في المجلس، بما في ذلك عضوة مجلس الشيوخ في ذلك الوقت هيلاري كلينتون. في فترة رئاسته الثانية، اتّبع بوش نهجاً أكثر براجماتية تجاه المحكمة الجنائية الدولية، حيث وافق في البداية على القرار الصادر من مجلس الأمن الدولي بإحالة موضوع التحقيق في الفظائع التي تم ارتكابها في إقليم دارفور للتحقيق من قبل المحكمة، ثم قام بعد ذلك بتقديم الدعم لمدعيها العام، والتنازل عن تحفظاته القانونية بشأن تقديم المساعدات للدول الأعضاء في المحكمة، كما هددت وزيرة خارجيته كوندوليزا رايس الخريف الماضي بالتهديد باستخدام حق \"الفيتو\" ضد الجهود التي تقوم بها بعض الدول الأعضاء في مجلس الأمن بما في ذلك الصين وفرنسا لإعاقة إصدار إذن قبض من المحكمة الدولية على الرئيس السوداني، وهو الأمر الذي حظي بالكثير من الاستحسان من قبل العديد من الجماعات العاملة في مجال حماية حقوق الإنسان. أما إدارة أوباما، فلم تفعل سوى القليل حتى الآن بشأن التعاطي مع المحكمة، وهو ما أصاب مؤيدي المحكمة الجنائية الدولية بالإحباط، حيث كانوا يتوقعون أن أوباما سوف يقوم فوراً بإلغاء قرار سلفه بوش بإلغاء توقيع إدارة كلينتون على قانون روما الأساسي. وعلى الرغم من أن القصور عن الفعل هذا قد يتغير عندما تتم الموافقة على تعيين المزيد من المسؤولين السياسيين، فإنه قد يكون في حقيقة أمره انعكاساً لنهج أوباما الحريص نحو المحكمة الجنائية الدولية، ونحو احتمال استخدامها كوسيلة لمقاضاة الجنود الأميركيين في زمن الحرب. ومن المتوقع أن يواجه البيت الأبيض قدراً كبيراً من الصعوبة في إقناع المؤسسة العسكرية الأميركية بمزايا الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية، ما لم تتم أولاً معالجة العيوب ونواحي القصور التي أشارت إليها إداراتا كلينتون وبوش. فمن غير المرجح إلى حدٍ كبيرٍ أن يمنح 67 سيناتوراً موافقتهم على الاتفاقية بدون تلك إجراء تلك التغييرات. ويمكن للرئيس أوباما أن يدعم المحكمة الجنائية الدولية بطرق أخرى بخلاف الانضمام إلى قانون روما الأساسي، مثل المشاركة في أجهزتها الحاكمة، وتقديم الدعم الدبلوماسي والاستخباري واللوجستي للمحاكمات التي تجريها في الوقت الراهن لجرائم الحرب البشعة والفظائع ضد حقوق الإنسان في دارفور وشمال أوغندا والكونجو وجمهورية أفريقيا الوسطى. وعلى الرغم من أن المحكمة الجنائية الدولية في حاجة إلى الدعم والمساندة الأميركيين، فإن الكثير من أعضائها قد يقاومون إجراء التعديلات المطلوبة، حتى لا يظهروا وكأنهم قد خضعوا للضغط الأميركي. لقد كانت هيلاري كلينتون على حق عندما قالت إن عدم اشتراك الولايات المتحدة في المحكمة الجنائية الدولية أمر يؤسف له لحد كبير، خصوصاً إذا ما أخذنا في اعتبارنا التزام أميركا الطويل الأمد بمبدأ العدالة الدولية. مع ذلك، فإن عدم الاشتراك هذا قد يعكس تذبذباً أميركياً خطيراً ومؤسفاً في الحقيقة نحو المؤسسات الدولية، لا يتوقع لإدارة أوباما، على الرغم من تأييدها للقانون الدولي، أن تتمكن من تغييره. ------- جون بي. بيلينجر زميل أول بمجلس العلاقات الخارجية، والمستشار القانوني لوزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس من 2005 إلى 2009 ------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\"