لقد أصبح مألوفاً أن يخفض البيت الأبيض والكونجرس التكلفة على حساب ميزانية البحث العلمي المكثف في مجال صناعة الأدوية والعقاقير الطبية، رغم أن هذا القطاع ظل أحد أكثر قطاعات اقتصادنا الأميركي ابتكاراً وإنتاجية. وسوف تؤدي بنا هذه السياسة حتماً إلى تحديد الحكومة للمعايير الدوائية، رغم أن الساسة يكرهون هذه العبارة كراهيتهم لمرض الطاعون. وكما نعلم، فإن العقاقير الطبية تساعد كثيراً في تحسين صحة وإطالة أعمار الأفراد على نحو مذهل في اقتصاده لتكلفة ذلك. وهذه حقيقة لها أهميتها ليس بالنسبة للأفراد المرضى فحسب، وإنما بالنسبة للمجتمع كله. فمثلاً، ساعد الابتكار الدوائي على تفادي كثيرين من المرضى للمكوث في المستشفيات فترات طويلة من أجل تلقي العلاج. وخلال السنوات بين 1980 و2000، شهدت المستشفيات الأميركية انخفاضاً في عدد المرضى الداخليين بنسبة 56 في المئة. وبالنتيجة، تفادى الأميركيون 206 ملايين يوماً من الاستشفاء الداخلي في عام 2000 وحده، وفقاً لإحصاءات Medtap International التي تعمل في مجال الاقتصاديات الصحية والخدمات البحثية. وتوصلت دراسة أُجريت في عام 2000، رعتها "وكالة سياسات وأبحاث الرعاية الصحية"، إلى أن من شأن تعاطي العقاقير الطبية الموصوفة لميوعة الدم أن تساعد على تفادي نحو 40 ألف إصابة بالسكتات الدماغية سنوياً. وفي ذلك ما يوفر حوالي 600 مليون دولار سنوياً للخزانة العامة. كما توصلت دراسة أخرى أجراها "المكتب القومي للبحوث الاقتصادية" في عام 1997 إلى انخفاض تكلفة علاج الاكتئاب النفسي بنسبة 25 في المئة خلال الفترة الممتدة بين 1991 و1995. ومن بين مزايا البحث الصيدلاني أفضلية الأدوية الجديدة على القديمة في خفض معدل الوفيات. واستنتجت دراسة أخرى أجراها "المكتب القومي للبحوث الاقتصادية" في عام 2004 على المرضى الذين تناولوا العقاقير الطبية بين شهري يناير ويونيو من عام 2000، أن نسبة عالية من الأفراد الذين تعاطوا العقاقير الحديثة لا تزال على قيد الحياة في حينه. ورغم أن بيئة الصناعة الدوائية تدهورت كثيراً، فقد أعلن الرئيس أوباما عزمه إجراء خفض كبير على تكلفة الادخارات على حساب شركات الصناعة الدوائية بقوله: "لقد سمعتم أنه، واستجابة لجهودنا الرامية لإصلاح نظام الرعاية الصحية، أعربت شركات صناعة الأدوية عن رغبتها في المساهمة في سياسة الإصلاح هذه بحوالي 80 مليار دولار. وعليه، فربما نستطيع أن نصل بذلك المبلغ المعلن إلى 100 مليار دولار أو أكثر". وبما أن أوباما قد وعد بعدم حرمان المستهلكين من خياراتهم ومن جودة نوعية الرعاية الصحية التي يتلقونها، فمن أين تأتي تكلفة الادخار هذه؟ إحدى الإجابات المحتملة لهذا السؤال هي أن تحدد الحكومة متى يكون دواء ما أفضل من غيره في اللحظة المعينة، ثم تقرر وفقاً لذلك استرداد تكلفة شراء الدواء للمريض حسب ذلك التحديد. ويلاحظ أن الرئيس أوباما نظر إلى هذا الأمر المعقد بتبسيط مخل: "إذا كانت هناك حبة دواء حمراء وأخرى زرقاء، وإذا كان سعر الحبة الزرقاء نصف ثمن الحبة الحمراء بينما تؤدي الحبتان مفعولاً صحياً واحداً... فلماذا لا يشتري المريض الحبة الزرقاء بنصف سعر العلاج المطلوب لتحسين صحته؟". واستطرد الرئيس قائلاً: "لقد وضعت خطة الحفز الاقتصادي سلفاً مبلغ 1.1 مليار دولار جانباً لغرض الكيفية التي نميز بها بين الأقراص الزرقاء والحمراء، بينما يتوقع للتشريعات الخاصة بإصلاح الرعاية الصحية أن تساعد على ضخ مزيد من الأموال على الجهود الرامية إلى قياس الفعالية النسبية للأدوية والعقاقير الطبية". لكن تكمن مشكلة النظر إلى فعالية الأدوية بهذه الطريقة التبسيطية في افتراضها بتساوي وعمومية ما يصلح للمرض أو الحالة الصحية الواحدة، وكأنه يصلح لعلاج كافة الأمراض بالطريقة نفسها دون استثناء. فمثلاً، يتطلب اختيار الدواء المناسب بين أنواع عديدة من مسكنات الألم وارتفاع ضغط الدم وعلاج حالات الاكتئاب النفسي، إجراء توازن دقيق وصعب بين مدى فعالية العلاج من جهة، وثانوية الأعراض الجانبية الناشئة عنه من الجهة الأخرى. ووفقاً لرؤية الرئيس أوباما لإصلاح الرعاية الصحية، يبدو أن الأميركيين ليسوا بحاجة لأن يكونوا من ذلك النوع الذي يفضل شراء الحبة الدوائية الأغلى تحت كل الأحوال وبصرف النظر عما يفيد في علاج المريض. فالمبدأ العام لهذه الرؤية هو تفادي شراء الحبة الحمراء مهما استدعى الأمر! وما لم تصبح الحبة الزرقاء هي الوحيدة المعتمدة من قبل الخزانة الفيدرالية لسداد فاتورة شرائها للمرضى، فلن يكون هناك حافز للشركات الدوائية كي تنفق ملايين الدولارات في ابتكار وصناعة أدوية جديدة وأكثر فعالية طالما أنه لن يتوافر لهذه الأدوية المبتكرة سوى سوق محدود للغاية بين المرضى الميسورين. وهذا ما يبرر مخاوف "اتحاد شركات البحوث والصناعات الدوائية الأميركي" من أن تتولى الحكومة مسؤولية تحديد معايير الرعاية الصحية، وضمن ذلك تحديد الأدوية المعينة التي ينبغي على الأطباء وصفها للمرضى. وفيما لو تحولت هذه المخاوف إلى حقيقة، فسوف يحرم المواطنون من حقهم في الحصول على الأدوية التي لا غنى لهم عنها لمقاومة أمراض في غاية الخطورة وارتفاع التكلفة العلاجية مثل السرطان والسكري وأمراض القلب. ------ هنري آي. ميلر كاتب أميركي متخصص في الشؤون العلمية ------ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"