التقرير الذي نشرته صحيفة "التايمز" اللندنية منذ يومين مثير للاهتمام، فقد أشار إلى "النجاحات البارزة"، التي بدأت تحققها حركة "طالبان" في أفغانستان، فالهجمات التي تشنها على قوات التحالف الدولي والقوات الأفغانية زادت بمعدل 80 بالمائة بين أكتوبر 2008 وأبريل 2009. كما أن المديريات التي تسيطر عليها زادت من 30 مديرية في 2003 إلى 160 مديرية في عام 2008 من جملة المديريات الأفغانية البالغ عددها 364 مديرية. وهذا يجعلنا نتساءل: ما الذي تفعله قوات 26 دولة غربية في أفغانستان منذ سبع سنوات؟! وما هي حصيلة معارك حوالي أربعين ألف جندي نظامي بكل إمكانياتهم وقدراتهم العسكرية والتكنولوجية مقابل عصابات من أفراد "طالبان"؟ لا شك في أن وجود قوات التحالف في أفغانستان حدَّ كثيراً من نشاط "القاعدة" في أفغانستان والعالم، لكن يبدو أن الثمن الذي يدفع لأجل ذلك باهظ جداً، بل قد يكون مكلفاً بشكل لم تتوقعه أي من الدول العظمى التي تقاتل جيوشها أشباح "طالبان" في وديان وجبال وكهوف أفغانستان، في لياليها المظلمة وأيامها اللاهبة صيفاً والباردة لدرجة الصقيع شتاءً. أغلب القادة العسكريين الغربيين كانوا واثقين من الانتصار في أفغانستان.. كيف لا ينتصرون وقد ذهبت أقوى جيوش العالم للقضاء على عصابة من "طالبان" و"القاعدة" لا تمتلك إلا بعض البنادق البسيطة والمدافع اليدوية القديمة.. لا شك في أنها "نظرياً" معركة محسومة وقصيرة، بل ويفترض أن تكون سريعة... لكن الأيام والأشهر والسنوات مرت على هذه الحرب ثقيلة وبطيئة، وتبدو لتلك القوات كمن تورط في أمر لم يحسب حسابه؛ ليس لأن عدوه قوي، وليس لأنه أفضل، بل لأن التاريخ والجغرافيا في أفغانستان يقولان إنه لا ينتصر على تلك الأرض غريب أو محتل أو غازٍ وإن كان "الناتو".. فقبل عشرين عاماً تقريباً انتهت حرب "الاتحاد السوفييتي" على أفغانستان بهزيمة الدب الروسي وهزيمة المجاهدين الأفغان أيضاً... فبعدها بعام أو أكثر انهار الاتحاد السوفييتي وتفتت إلى دول كثيرة، وفي الوقت نفسه تقاتل المجاهدون فيما بينهم وبدؤوا معركة تصفية بعضهم بعضاً... يبدو أن الحرب التي تبدأ في أفغانستان لا تنتهي. الحرب على العراق بدأت بعد حرب أفغانستان وقد بدأت قوات التحالف هناك بوضع خطط الانسحاب والخروج من العراق دون الكلام عن الانتصار أو الخسارة. وإذا كان الأمر يبدو في العراق بهذه البساطة، فإنه في أفغانستان أكثر تعقيداً وصعوبة وخطورة، فالبقاء في تلك الأرض مشكلة والخروج منها دون إنهاء المهمة التي جاءت من أجلها هذه القوات مشكلة أيضاً. الإشكاليات في أفغانستان عديدة، لكن الأمين العام لحلف "الناتو" لخصها في نقطتين رئيسيتين في حواره مع الـ"بي بي سي" منذ أيام عندما أكد حاجة الحلف إلى قوات إضافية في أفغانستان لتمكينه من المهام المطلوبة منه... وقال إن الحل ليس في الجانب العسكري وحده، وربما يشير إلى التفاوض أو غيره من الحلول. ولأكثر من مرة، كان الحديث عن تسوية عبر التفاوض لإنهاء الأزمة هناك بشرط أن تخضع تلك المفاوضات لشروط الحكومة الأفغانية والحلف الأطلسي، وأن تجري من موقع القوة، لكن الفكرة لا تتم ترجمتها على أرض الواقع... وهذا الحديث يأتي بين الحين والآخر ربما بسبب تشكيك القادة العسكريين في الانتصار الحاسم على "طالبان". ومشكلة نقص قوات "الناتو" قديمة، فقد طالب الرئيس الأميركي السابق، جورج بوش، قبل تركه منصبه، أعضاء الحلف بزيادة مساهمتهم في القوات الدولية المنتشرة في أفغانستان، وحذرهم من أن الفشل في مواجهة "القاعدة" و"طالبان" في تلك البلاد سينقل المعركة إلى الولايات المتحدة وأوروبا. ومنذ أيام، قال نائب الرئيس الأميركي الحالي إن الحرب بأفغانستان يجب أن تحقق أهدافها في مكافحة الإرهاب، مشيراً إلى أنها تصب في مصلحة أميركا وبريطانيا. والوضع الحالي يجعلنا نتساءل: هل ورطت إدارة بوش الابن نفسها ودول أوروبا وحلف "الناتو" بالحرب في أفغانستان؟! من الواضح أن هناك تردداً أوروبياً تجاه الحرب في أفغانستان، وفي أكثر من مناسبة كان الرئيس بوش وقادته العسكريون يطالبون دول الحلف بإرسال التعزيزات التي وعدت بها إلى أفغانستان دون أن يكون هناك تجاوب كاف مع هذا الطلب. أما مسألة الحوار مع "طالبان"، فهي عودة إلى المربع الأول، وهي عودة مستحيلة. فعندما أعلن الرئيس الأفغاني كرازاي -الذي يستعد لخوض الانتخابات الرئاسية يوم 20 أغسطس الجاري- منذ أيام أن الحوار مع الحركة هو السبيل الأفضل لإنهاء دوامة العنف الدموي في أفغانستان، كان رد "طالبان" سريعاً ومباشراً، فقد رفضت هذه الفكرة، بل وطالبت برحيل كرزاي ورحيل القوات الأجنبية قبل أي حوار. ويبدو أن أكثر الدول تأثراً بهذه الحرب هي بريطانيا، فلديها أكثر من تسعة آلاف جندي في أفغانستان، وفي أحدث استطلاع للرأي حول المشاركة البريطانية في الحرب على "القاعدة" و"طالبان" في أفغانستان، اعتبر أكثر من نصف البريطانيين أنه لا يمكن الانتصار في الحرب الدائرة هناك، وأنه يجب سحب القوات البريطانية على الفور. وأشار الاستطلاع الذي أعده "معهد كوريس" ونشر في يوليو الماضي، إلى أن 58 بالمئة يعتبرون أن الحرب على متطرفي "طالبان" في أفغانستان لن تنجح، في حين اعتبر 31 بالمئة العكس، كما أن 52 بالمئة من البريطانيين يريدون رحيل القوات البريطانية من ذلك البلد مقابل 43 بالمئة. وكان تعليق النائب البريطاني السابق ماثيو باريس على هذه الحرب هو الأقسى عندما قال في مقال نشرته صحيفة "تايمز" البريطانية إن الانتصار في أفغانستان مستحيل، وإن التورط في الحرب هناك كان "غلطة"، بل وضح أن "أوضاع القوات الأجنبية في أفغانستان صعبة، وأن الحقائق على الأرض مرة وقاسية"، داعياً إلى "عدم المراوغة أو استخدام أساليب التورية للتغطية على الواقع". ومن الواضح بشكل عام أن هناك تململاً في بريطاني -الحليف الأول لأميركا في هذه الحرب- من تقاعس بعض أعضاء حلف الأطلسي عن إرسال قوات بلادهم إلى جبهة القتال في الجنوب الأفغاني. وهذا ما عكسته تصريحات وزير الدفاع البريطاني حول قابلية هذا الحلف للاستمرار ومدى صدقيته... وهذه التصريحات والمواقف نتيجة طبيعية للوضع المتردي لـ"الناتو" في أفغانستان.