لم يصل تصالح ضمير الألمان اليوم مع استخدام قوتهم العسكرية- على رغم الحقب الطويلة الممتدة فيما ما بعد العهد النازي- ما يتجاوز استخدامها أي أغراض أخرى عدا عن الدفاع عن أمن وطنهم. غير أن استخدام الجنود الألمان للأسلحة الثقيلة والآليات العسكرية الشبيهة بالدبابات للمرة الأولى على مدى أسبوعين كاملين في إطار الهجوم العسكري، الذي شن على متمردي \\\"طالبان\\\" لن يكفي لإرضاء رغبة الأميركيين في مشاركة شركائهم الألمان بمستوى أفضل في العمليات العسكرية الجارية في جنوبي أفغانستان. وعلى رغم ذلك، فإن المشاركة المذكورة آنفاً في العمليات القتالية من جانب الجنود الألمان تشير إلى بداية تحول من تحفظ برلين وامتناعها عن استخدام قوتها العسكرية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وفي ذلك التحول أيضاً ما يقارب بين السياسيات الألمانية والأميركية. فمثلما بدأت برلين بتخطي القيود التي كانت تفرضها على استخدام قوتها العسكرية بدخولها مؤخراً إلى حلبة المواجهة المسلحة مع متمردي \\\"طالبان\\\"، بهدف توفير الحماية اللازمة لسكان القرى الأفغانية من الترهيب الذي يمارسه عليهم المتمردون، يلاحظ أن إدارة أوباما بدأت تتجه أكثر نحو تركيز جهودها واهتماماتها على قضايا التنمية المدنية الداخلية، على غرار ما تفعله ألمانيا. فالمعروف عن الألمان أنهم نبذوا نزعات هتلر العدوانية التوسعية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وبسببها نفروا عن أي استخدام قتالي لقوتهم العسكرية. ولم يخط الألمان خطوة واحدة لإنشاء جيش نظامي لهم عقب الحرب، إلا بعد مضي عقد كامل عليها، وعلى إثر نقاش محتدم معهم. بتلك الخطوة، أنشأ الألمان جيشاً ديمقراطياً أسموه Bundeswehr، التي يقابلها معنى \\\"قوة الدفاع الفيدرالية\\\". وينحصر مجال عمل هذه القوة في حدود دول \\\"الناتو فحسب، بينما أُسندت قيادتها إلى الدول الغربية الحليفة لألمانيا. وحتى بعد نهاية الحرب الباردة في عام 1989 واتخاذ موسكو قراراً بسحب وحدات الاتحاد السوفييتي العشرين التي كانت تحيط ببرلين الشرقية لمسافة آلاف الأميال منها، لم تتخل ألمانيا عن تحفظها العسكري، على رغم إعلان الولايات المتحدة الأميركية عن تحول مهمة قوات \\\"الناتو\\\" إلى مهمة دولية تهدف إلى نشر السلام والاستقرار العالميين. وبسبب ذلك التحفظ، لم تشارك سوى قوات طبية صغيرة الحجم من ألمانيا ضمن قوات المراقبين الدوليين في كمبوديا عام 1992. ثم انضمت وحدات طبية وعسكرية أكبر نسبياً إلى القوات الدولية المنتشرة في البوسنة للمساعدة في إنشاء عيادات طبية هناك في عام 1994. وعقب نهاية حرب كوسوفو في عام 1999، انضم الجنود الألمان إلى قوات حفظ السلام الدولية بقيادة حلف \\\"الناتو\\\". ولم يتخط الألمان تحفظهم إزاء خوض العمليات القتالية إلا عقب هجمات 11 سبتمبر. وكانت أفغانستان هي أول منطقة حرب فعلية ترسل إليها ألمانيا جنوداً للقتال جنباً إلى جنب مع القوات الأميركية، خارج القارة الأوروبية. وبعد مضي أربع سنوات على اندلاع تلك الحرب، تمثل اليوم القوة الألمانية المؤلفة من 4300 جندي المرابطة في شمالي أفغانستان، ثالث أكبر قوة دولية مشاركة في الحرب بعد القوة البريطانية التي تضم 9 آلاف جندي، تأتي قبلها القوة الأميركية الضاربة التي يبلغ عدد مقاتليها 55 ألفاً. وحتى هذه اللحظة، لايزال القطاع الشمالي من أفغانستان الذي تسكنه مجموعات الطاجيك أكثر أمناً وسلاماً من قطاعيها الشرقي والجنوبي اللذين تغلب عليهما قبائل البشتون. ففي القطاعين الأخيرين، يكثر انتشار القوات الأميركية. وبسبب استقرار الأوضاع في شمالي أفغانستان، فقد أُتيحت للألمان فرصة تسليط جهودهم على تدريب قوات الجيش والشرطة الأفغانية من ناحية، إلى جانب تكثيف جهودهم في بناء الجسور والطرق والمدارس، من الناحية الأخرى. وبالطبع، يقل عدد القتلى من جنودهم هناك، مقارنة بعدد قتلى الجنود البريطانيين والأميركيين. غير أن عناصر \\\"طالبان\\\" تمكنت من التسلل بأعداد كبيرة إلى الشمال مؤخراً بهدف عرقلة العملية الانتخابية هناك. لمواجهة هذا الخطر، سارعت ألمانيا إلى تعزيز قوة مكافحة \\\"طالبان\\\" المؤلفة من 100 جندي وشرطي أفغاني حول مدينة قندز بـ300 جندي ألماني لدعم تلك القوة. وعلى رغم ضآلة هذه المشاركة العسكرية الألمانية في نظر الحلفاء الأميركيين، فإنها تعني الكثير بالنسبة للناخبين وأعضاء البرلمان الألماني. والدليل هو مطالبة الأعضاء \\\"اليساريين\\\" في البرلمان، وكذلك نسبة 69 من عامة المواطنين بالانسحاب العسكري الفوري من أفغانستان. بيد أن استراتيجية مكافحة التمرد الجديدة التي تبنتها إدارة أوباما الجديدة في شهر ديسمبر الماضي، ترى أهمية كبيرة لاستمرار نهج الحرب الأميركية الجارية في أفغانستان، بقدر أهمية نهج التنمية وإعادة الإعمار الذي تعمل على تنفيذه القوات الألمانية المرابطة هناك. فلن يكون في وسع كتائب وفرق المشاة المتنقلة التي تنتشر في مختلف أنحاء أفغانستان، كسب الحرب يوماً، متى ما ظل الشباب الأفغاني ضائعاً وبلا مهارات أو مستقبل، مما يعني سهولة استقطابه إلى صفوف المتمردين لكي يحل محل قتلى التطرف والإرهاب. كما يستحيل على الشباب الأفغاني أن يتصور أي مستقبل سلمي لبلاده وحياته ما تكف حركة طالبان عن نسفها المتكرر للجسور والمدارس التي تنشأ بمساعدة القوات الأجنبية. ففي هدم المرافق هذه، هدم لمستقبل البلاد وسلامها وأمنها. وعليه، تزداد الحاجة إلى انسجام وتقارب الجهدين الأميركي - الألماني في أفغانستان. إليزابيث بوند محللة سياسية أميركية مقيمة في برلين ينشر بترتيب خاص مع خدمة \\\"كريستيان ساينس مونيتور\\\"