مخيف ما يحدث بحق \\\"لبنى حسين\\\" الصحفية السودانية التي اتُهمت بخروجها عن الأدب والحشمة بسبب ما كانت ترتديه في مجلس ضمّ عدداً من رفيقاتها. \\\"لبنى\\\" مهددة بعقوبة لم تسنّها الشريعة ولم يقلْ بها الدين. وليتها كانت ترتدي ما تستحق عليه العقاب أو حتى المساءلة اللطيفة أو الاستهجان الصامت، هي فقط الازدواجية التي يعيشها المجتمع العربي بكل صعوباتها وقلقها. فكيف لم يرَ صاحب قرار العقوبة سلبيات حكومته والسلطة التي تمارس كل أشكال الانتهاك الإنساني ويتعدى الأمر إلى تقدير المرأة واحترامها، فكل الأنظمة صاحبة الباع في التنكيل بالإنسان أول ما تستعرض قوتها تكون الضحية المرأة. فنظام \\\"طالبان\\\" كان أول قراراته بمجرد وصوله إلى سدة الحكم، منع تعليم المرأة وفرض الحجاب الكامل والنقاب عليها. وعندما تواجه صحفية لها حضورها الاجتماعي والمهني عقوبة مؤسفة من هذا النوع، فالمشكلة هنا لها انعكاسها على السلطة وليس على الصحفية بالتأكيد، فمنذ متى كان الإسلام يعاقب الإنسان على ما يرتديه؟ وأين هي مقومات الدولة الإسلامية حين نقول بمجتمع مثالي يفرض على شعبه ذائقته في اللباس؟ لا يرون في سلطتهم سلبياتها، ولا لديهم حجة تبرر بخسهم لحقوق مواطنيهم، بل يستمر مسلسل تهميش الآخر إلى أقصى أبعاد القلق والتجاهل، ولا يدفع الضريبة إلا نساء كان لديهن صوت يعلنَّ فيه استياءهن وحريتهن وقرارهن الذي يلغي عبودية الرجل المتسلط. عندما نأتي لنحاسب شخصاً ما على عمله وأمانته علينا أن نبدأ أولاً بصاحب القرار فيه، هل أدى ما عليه على أكمل وجه واحترم قيمة العمل واستدرك معنى أن يكون مسؤولاً وبالتالي قدوة حسنة لكل من يليه؟! هذا الانتقاص من قدر الإنسان يعني انتقاصاً من قدر المجتمع بأكمله، وإذا كانت المرأة هي الضحية على الدوام، فهذا يعني أن الأسرة برمتها مضطهدة وغير جديرة بالاحترام. الأمر لا يعني أن تجلد امرأة أو تحاسبها على خطأ لم ترتكبه، إنما هو القرار بالظلم واعتياد التعدي على كرامة الإنسان وخصوصيته، ورغم أن العالم يتجه اليوم نحو الحريات ومحاسبة أرباب السجون وحتى \\\"جوانتانامو\\\" تحول إلى وصمة عار كبيرة في تاريخ الولايات المتحدة، إلا أن بعض الأنظمة مستمرة في تحويل بلدانها إلى سجون كبيرة بأسوار قاسية وسجانين أقسى. فهل يعقل أن تكون مراقبة البشر والتنصت على هواتفهم هو ديدن النظام؟ هل ينسى القائمون على انتهاك حقوق الإنسان البسيطة أنهم بذلك يسيئون إلى أوطان وتاريخ؟! بل ويمتد الأمر على محاسبة صحفية المفترض بها لسان حال الواقع والناس على كونها ارتدت ما لا يليق؟! من يضع ضوابط اللائق؟ ومن يملك الحق في تحديد ما يجب أن يكون؟ عندما تتعافى المجتمعات بتحولها إلى مجتمع مؤسسات بمعنى الكلمة وعمق الدلالة، فإن الحال هنا تفرض ضوابطها التي تفرض احترامها من الجميع دون استثناءات. وهنا تكمن العلة، مجتمعات تفتقد صدقية أنظمتها التي تمعن في تأجيل المواطن إلى آجالٍ غير مسماة. كل الاحترام لشجاعة \\\"لبنى حسين\\\"، وكل القلق في أشكال التعسف التي أخذت مسوح الإسلام وهو منها بريء. ويبقى التساؤل الملح الذي لا يبارح ضمائر أصحاب المكان ومدوني تاريخه وواقعه... إلى متى؟!