قبل عام من اليوم، خاضت روسيا وجورجيا حرباً. وبهذه المناسبة، يتجدد النقاش حول أسباب النزاع ومستقبل منطقة القوقاز، غير أن التركيز الرئيسي لبلدنا اليوم ينبغي أن يكون منصبّاً على مساعدة جورجيا على إنشاء ورعاية المؤسسات التي ستنهض بالاستقرار السياسي والتنمية الديمقراطية فيها. والحق أن جورجيا حققت تقدماً لافتاً على صعيد الخروج من تبعات الحرب خلال العام الماضي، غير أن بيئتها السياسية مازالت هشة ومنقسمة، إلى جانب وسائل إعلام مكممة ومجتمع مدني ضعيف ومظاهرات في الشارع. إن جورجيا تعبّر باستمرار عن رغبتها القوية في التحديث والاندماج في الاتحاد الأوروبي وفي \"الناتو\"، والولايات المتحدة مازالت تعتبرها حليفاً مهماً في هذه المنطقة الاستراتيجية. وفي هذا السياق، قمتُ، بطلب من رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، بزيارة لجورجيا بعد أيام قليلة على اندلاع الحرب في أغسطس الماضي، للتعبير عن تضامننا مع الشعب الجورجي وتقديم مساعدات إنسانية. ومنذئذٍ والولايات المتحدة تُظهر التزامها تجاه جورجيا عبر تقديم مساعدة مهمة لجهود إعادة الإعمار بعد أن وضعت الحرب أوزارها. إن الإصلاحات اللازمة لتقوية الديمقراطية الجورجية الفتية معروفة، وهي: تطوير أكبر للعمليات الانتخابية النزيهة، وقضاء مستقل، واحترام لحقوق الإنسان وحكم لقانون، ومجتمع مدني قوي، وصحافة مستقلة، وآلية لصنع القرارات تكون شفافة وقابلة للمحاسبة، وتوازن السلطات بين الجهازين التنفيذي والتشريعي. ومن الواضح أن الرئيس ميخائيل ساكاشفيلي يُدرك ما ينبغي القيام به في هذا الباب، حيث اقترح، في خطاب أمام البرلمان قبيل أيام على زيارة بايدن، إصلاحات يمكن أن تحسّن النظام السياسي الجورجي بشكل جوهري. والواقع أن هذه المقترحات تشبه إلى حدٍ كبيرٍ تدابير كان شاكاشفيلي قد تحدث عن خطوطها العريضة في سبتمبر الماضي، حين وعد الجمعية العامة للأمم المتحدة بـ\"ثورة وردية\" ثانية في جورجيا، غير أن الواقع ينبغي أن يكون اليوم منسجماً مع الخطاب. ولهذا، ينبغي على جميع الجورجيين أن يعملوا معاً بغية ضمان أن تطبق هذه الإصلاحات بشكل كامل قبل الانتخابات الرئاسية المقررة في عام 2013. كما يتعين على ساكاشفيلي وحكومته أن يجلبا إلى جهود بناء الديمقراطية الطاقةَ والالتزام نفسيهما اللذين أظهراهما خلال إعادة هيكلة الاقتصاد والقطاع العام، بينما يتعين على المعارضة أن تجلس إلى الطاولة وتنخرط في مفاوضات بناءة، على أن تكون الإصلاحات عميقة وحقيقية؛ لأن تعديل قانون الضرائب وتبسيط الإجراءات البيروقراطية فقط لا يشكلان، على أهميتهما، الديمقراطية الحقيقية. إن على الولايات المتحدة أن تغتنم هذه الفرصة لمساعدة الجورجيين على الانخراط في حوار جاد وتبني تغييرات مهمة، والحال أن 4 في المئة فقط من المساعدة التي قُدمت لجورجيا عقب حرب العام الماضي، تُخصَّص حالياً لبرامج تعزيز الديمقراطية. وإذا كان هذا المال الإضافي قد يؤدي إلى مضاعفة تمويل برامج الديمقراطية والحكم الرشيد على المدى الزمني القصير، فإنني أخشى أن يتراجع مثل هذا التمويل إلى المستويات غير الكافية السابقة خلال المرحلة الحاسمة التي تسبق انتخابات عام 2013. لقد دعوتُ إدراة بوش ومازلت أدعو أوباما الحالية، وفي مناسبات كثيرة، كان آخرها مشروع القانون الذي يرخص لأنشطة وزارة الخارجية والذي مرره مجلس النواب في يونيو الماضي، دعوت خلال كل ذلك إلى التركيز على التنمية السياسية لجورجيا. فإذا كانت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية وشركاؤها يستحقون الإشادة بما يبذلونه من جهود في جورجيا، فإنهم لا يمتلكون ما يكفي من الدعم المالي لتطوير استراتيجية طويلة المدى لمعالجة المشاكل التي تعاني منها ديمقراطيتهم الفتية. وبينما تستعد الإدارة الأميركية لتوزيع الأموال المتبقية التي خصصها الكونجرس للتو لصالح جورجيا، فإنني أدعو المسؤولين إلى بحث إمكانية زيادة النسبة المخصصة لبرامج الديمقراطية والحكم الرشيد على المدى الطويل، الأمر الذي من شأنه إظهار أن التنمية الديمقراطية تمثل أولوية وهدفاً رئيسياً للولايات المتحدة، وليست مجرد خطاب دعائي. والأمر المؤكد في هذا الخصوص هو أن الاستثمار في مستقبل جورجيا السياسي أهم من بناء طريق آخر. إن جورجيا توجد اليوم في مفترق طرق حاسم، وما على المرء إلا أن ينظر إلى تراجع مرتبة البلاد ضمن الترتيب السنوي الذي تصدره مؤسسة \"فريدم هاوس\" كل عام للدول في أوروبا ومنطقة أوراسيا، ليرى أن كثيراً من المؤشرات تدل على أن جورجيا تسير في الاتجاه الخطأ، حيث منحها أحدث تقرير للمنظمة أدنى نقطة بخصوص الديمقراطية منذ عام 2005. وعليه، فإنه يتعين على الحكومة الجورجية، خلال فترة ما بعد الحرب مع روسيا والصعوبات الاقتصادية التي تلت ذلك، أن تقاوم إغراء البحث عن الاستقرار على حساب الديمقراطية وإقامة الحكم الرشيد. إن لدى الولايات المتحدة مصلحة مهمة في مستقبل جورجيا، في مستقبل التنمية والاستقرار والديمقراطية فيها. لهذا، ينبغي أن نستعمل النفوذ الذي نتمتع به بين الأوساط السياسية الجورجية لضمان أن يستمر تطور الأوضاع فيها نحو الاتجاه الصحيح. وفيما يخص بناء المؤسسات السياسية الجورجية، علينا أن ننتقل من الأقوال إلى الأفعال، وأن نجعل من تركة حرب العام الماضي تجديداً لالتزام جورجيا، ضمن شراكة مع الولايات المتحدة، بإنجاز وعد \"الثورة الوردية\". ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ هاورد برمان رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\"