من أبرز تجليات مفهوم \"المواطنة\" أن تشعر بعمق انتمائك للوطن الذي تعيش فيه حتى ولو كنت مقيماً! فالمقيم بالأساس هو مواطن، يشترك مع المواطن في الكثير من المزايا والحقوق، ولعل \"البطولة\" التي جعلت من المعلمتين رانجانا تيجاني وبريا مانتيرو محل تكريم من قيادات دولة الإمارات خير دليل على كون المقيم لديه مسؤوليات المواطن نفسها. أن تقوم تلكما المعلمتان بعمل جبار تجلى في إنقاذ طالبات من حريق حافلة كانت ستأكل أجساد الطالبات، فإن إرادة الإنقاذ تعبر عن شعور بالمسؤولية وإحساس بالدور الذي يمكن أن يقوم به من يعيش على أرض بلد مهما كانت جنسيته. المعلمتان كُرمتا من قبل الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، واللافت في التكريم أن سموه لم يفرّق في المسؤولية والأدوار البطولية بين المواطن والمقيم والزائر، وأن أي دور إيجابي من قبلهم تجاه المجتمع سيكون مقدّراً، والإمارات بوصفها البلد المضياف والمفتوح للسياح والزوار والطلاب والعاملين أسست لهذا الشعور، أن تكون في بلد ليس بلدك الأصلي ومع ذلك تعيش فيه بأمان، وتتعاون مع كافة أطياف المجتمع، مهما كان تنوعهم الديني والمذهبي أوالعرقي. وحينما نأتي إلى تعريف \"المواطَنة\"، نجده عبارة عن \"عضوية الفرد التامة والمسؤولة في الدولة، ويترتب على ذلك مجموعة من العلاقات المتبادلة بين الطرفين نسميها الحقوق والواجبات، ويرجع أصل استعمال مفهوم المواطنة من ناحية تاريخية إلى الحضارتين اليونانية والرومانية، وقد استعملت الألفاظ civis مواطن civitash مواطنة للدلالة على وضعية قانونية للفرد في أثينا أو في روما\"، بمعنى أن المواطَنة عبارة عن علاقة اشتراك في المغنم والمغرم، وأن تصبح في هذا البلد ومن أهله، وتعتبر نفسك من ضمنهم، وتواجه معهم الصعاب، وتعيش معهم أيام الرغد والأمان\". من جهة أخرى، فإن التعريف لا يحصر المواطَنة بالواجبات أو بالحقوق، وإنما هي جمع لذلك كله، أن توفّر لك الحقوق الرئيسية خاصةً من جهة الصحة والأمن والغوث، وتقوم أنت بتصحيح سلوكياتك وبرمجتها مع قانون البلد الذي تعيش فيه، ويدخل في المواطَنة حتى المقيم والزائر من جهة اعتبارية، فالمقيم هو مواطن مؤقت وكذلك الزائر، ولحسن الحظ، فإن الإمارات حينما يدخلها الإنسان يشعر أنها بلده، فهي بلد \"مستوعب\" وليس بلداً \"طارداً\" على المستوى الاجتماعي والثقافي والقانوني. هناك حالة من الاستيعاب الاجتماعي يشعر بها المقيم والزائر، وهذا يسهّل من ترسيخ المسؤوليات على المقيمين والزوار بالذات، ولعل تكريم من عمل عملاً استثنائياً لمن أشد الدلائل وضوحاً على أن \"الاستيعاب\" سمة مركزية في الأداة الإدارية الإماراتية، تعطي المقيمين شعوراً بالحميمية تجاه الأرض وتجاه المسؤول الذي يقول للمحسن أحسنت. إن الشعور بالمسؤولية تجاه الآخرين خفف من أنانية الإنسان، وهو الشعور الذي عرفناه في ثقافتنا العربية الأصيلة، حيث الشهامة والمروءة وإغاثة الملهوف وإكرام الضيف، وأقرّه الإسلام، حيث جعل قيمة من أحيا نفساً بموازاة من أحيا الناس جميعاً، ثم أصبحت هذه الأخلاق من أبجديات العقود الاجتماعية وأدبيات حقوق الإنسان في العالم، الفرق أن أمواج الحياة وصخبها وصعوبتها، أججت مشاعر الأنانية على حساب مشاعر المسؤولية الاجتماعية تجاه الآخرين، ولطالما عدّ العرب جارهم من أهلهم وصديقهم كالأخ الشقيق، لطالما كانت تلك المشاعر جيّاشة وفي ذهن كل واحد منا القصص الكثيرة عن الآباء والأجداد تبرهن على سلامة إحساس الإنسان بمسؤولياته مهما كان بعيداً عن وطنه، فوطنك حيث تعيش، وحيث تضع قدمك، والدولة التي تدخلك إلى أرضها تمنحك عقد أمانٍ فالتزم بقانونها... تلك هي المواطنة الحقيقية، وذاك هو التجلي الحقيقي لمفهوم \"المواطَنة\" العريق.