كان العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز محقاً عندما قال في برقيته التي وجهها إلى المؤتمر السادس لحركة \"فتح\" \"إن العدو المتكبر المجرم لم يستطع عبر سنوات طويلة من العدوان المستمر أن يلحق من الأذى ما ألحقه الفلسطينيون أنفسهم بقضيتهم من أذى في أشهر قليلة\". الخلاف الفلسطيني الداخلي، سواء داخل مؤتمر \"فتح\" السادس أو بين حركتي \"فتح\" و\"حماس\"، يمكن قبوله وتفهمه إذا كانت الرؤية لكل شخص أو فصيل أو حركة واضحة جداً، بحيث يحدد كل طرف المسار القادم للقضية في المرحلة القادمة وكيف يمكن تحقيق أهدافه وسط المعطيات المحلية والإقليمية والدولية المتغيرة، وكيف يمكن تخطي العقبات للوصول إلى الهدف المنشود الذي يسعى له الجميع وهو إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس. ليس المجال هنا لاستعراض الأسباب والدوافع التي أدت إلى الوضع الفلسطيني المتدهور. هنالك أسباب كثيرة أهمها سياسة دولة الاحتلال الصهيوني القمعية ونزوعها للعنف والقتل والتشريد بلا توقف. الوضع العربي الممزق والضعيف وغير القادر على توحيد صفوفه أو رؤيته لكيفية مواجهة التحديات والغطرسة الإسرائيلية، كذلك الانقسام الفلسطيني، وتحديداً بين حركتي \"فتح\" و\"حماس\"، أدى إلى زيادة الانشقاق الفلسطيني وتآكل السلطة الفلسطينية جراء عدم الوصول إلى تسوية سياسية مع إسرائيل. هذا الوضع العربي الفلسطيني المتدهور، هل هو قادر على تحقيق السلام مع الدولة الصهيونية القوية؟ واقع الحال السياسي يؤكد أننا كعرب لن نحقق شيئاً، لاسيما وأن النظام العربي الرسمي تخلى في غالبيته عن فكرة الصراع مع الصهاينة وإسرائيل. فمبادرة السلام العربية التي تحظى بدعم عربي مطلق، وضعت سقفاً جديداً للصراع العربي -الإسرائيلي لا يبدأ بالاحتلال الصهيوني لفلسطين عام 1948، بل يبدأ بالهزيمة العربية عام 1967 واحتلال الأراضي العربية... بمعنى آخر، العرب اليوم تجاوزوا القضية الفلسطينية وقبلوا بمبادلتها بالأراضي العربية التي احتلت عام 1967. حركة \"حماس\" بتعنتها ورفضها لعملية السلام، تعي تماماً أن العرب غير قادرين لا على الحرب ولا على تحرير فلسطين، ولا هم قادرون على السير في طريق السلام وصنعه. الإشكالية التي وقع فيها الفلسطينيون والعرب جميعاً هي أنه حتى في حالة اتفاق الفصائل الفلسطينية المتحاربة اليوم، فإنه من الصعب على الفلسطينيين وحدهم التفاوض مع إسرائيل لاستعادة الأراضي العربية المحتلة عام 1967 مقابل السلام. الإشكالية الجديدة التي ستواجه \"فتح\" بعد مؤتمرها تتعلق بكون الحركة هي حركة تحرر وطني فلسطيني غير معنية بالاعتراف بإسرائيل وبإسقاط فلسطين التاريخية من اعتباراتها السياسية... لكن المشكلة أن منظمة التحرير اعترفت بإسرائيل وتفاوضت معها. الخلافات الفلسطينية -الفلسطينية داخل مؤتمر \"فتح\" تؤكد أن انشقاقات جديدة سوف تبرز، وهنالك احتمال بروز قيادة فلسطينية شابة... ولا نعرف كيف ستتفاعل القيادات الفلسطينية مع المستجدات العالمية القائمة؟