من يقرأ تاريخ أوروبا، ويقارنه بمعطيات الأحداث في بعض الدول الإسلامية يجد تقارباً في الصورة بين ما كانت تقوم به الكنيسة والدور الذي يلعبه بعض المسؤولين الدينيين في تلك الدول، في أوروبا عندما وقفت الكنيسة مع الإقطاعيين من أصحاب السلطة في وجه التغيير الذي كان الشعب يطلبه، وقد كانت مطالب الشعب في ذلك الوقت منطقية ومبررة، فلم يطلبوا إلا الحرية والنماء والمساواة بين أبناء الشعب الواحد، لكن الموقف الكنسي في ذلك الوقت تصدى لمثل هذه الأمور والنتيجة، كما يعرفها الجميع أن الكنيسة وأهلها أخرجوا من الحياة اليومية للأوروبيين وأنشئت دولة كنسية في الفاتيكان يحكمها البابا، أما بقية الدول الأوروبية فرفعت شعار العلمانية، والذي حصر الدين في القضايا الشخصية وترك للسياسيين حرية المناورة في القيم والأخلاق حسب ما تقتضيه مصالح الأوطان، دون التزام خلقي وديني واضح، فأخلاق كانت مرفوضة في السابق صوت الشعب على جعلها قوانين تحميها، وكان ما كان في أوروبا المعاصرة، فهل نهضة أوروبا لم تكن لتحصل لولا أنهم حصروا الدين بين جدران الكنيسة، بلغة أخرى لو أن الكنيسة طورت الفقه الخاص بها فحرصت على الثوابت واجتهدت في المتغيرات بما يتناسب مع روح العصر لربما كان لها دور أكبر مما يقوم به الفاتيكان اليوم. مع فارق التشبيه هناك صور متقاربة لهذا الوضع التاريخي في العالم الإسلامي فنموذج \"طالبان\" وما يجري في إيران يمثلان تجسيداً لمثل هذه المتغيرات. ففي أفغانستان المسلمة، وفور خروج الروس منها ونجاح \"طالبان في حكم أفغانستان بدعم خارجي لا يخفى على أحد، ظهر نموذج في الفقه الإسلامي غلب عليه التشدد أو خرج عن روح العصر، الذي نحن فيه فألزمت المرأة بلباس معين دون قناعة منها، وحكم عليها بمستوى معين من التعليم لا تتجاوزه، وبظروف قد تكون هي الأقرب من السجن المفتوح إلى الحياة التي يريدها الإنسان لنفسه، ومن يطلع على فقه \"طالبان\"، يجد أنه كان إلى التشدد أقرب منه للتيسير على الناس الذين جربوا حياة لادينية خلال فترة الروس ومن والاهم، وبلغ التشدد مبلغه في التعامل مع الخصوم أو غير الموالين لحركة \"طالبان\" في ذلك الزمان، والنتيجة هي ما تعيشه أفغانستان في هذا الزمان. من يقرأ تاريخ أفغانستان المعاصر، يجد أنه في نهاية المطاف هم مقبلون على دولة ستنحي الدين جانباً عن الحكم تحت مسميات كثير منها الديمقراطية، والتي ربما تكون الملاذ الأخير للشعب الفقير، الذي يحب الإسلام ويكره ما جاء به البعض من تشدد. وليس ببعيد عن أفغانستان هنا نموذج إيران، الذي فرح الناس عندما قامت الثورة الإسلامية، ورفعت شعارات إسلامية كالحكم بما أنزل الله، والمساواة بين الناس والعدالة، وقد تم تأطير هذا الأمر بتداول للسلطة سلمي كانت صناديق الاقتراع هي المحك، وربما استمرت الفرحة عند الإيرانيين حتى الانتخابات الأخيرة والتي يبدو أن الناس غير مقتنعين بنتائجها المعلنة فما يعيشه الشارع الإيراني في الوقت الرهن من فقر مدقع وحصار دولي واقتصاد خلف الديون على الدولة ومشاريع ثورية لا يجد المواطن الإيراني لها مكاناً من الإعراب في حياته. كل ما سبق جعل الشعب يتجه للانتخابات وهو على أمل التغيير، لماذا نجح الشعب الأميركي في تقديم قيادة شابه جديدة له بعد فشل حكومات جورج بوش المتتالية في تحقيق أحلام الشعب الأميركي؟ ولماذا لم ينجح الشعب الإيراني في تحقيق نفس الهدف؟ الصورة مع فارق التشبيه أن المؤسسة الدينية الإيرانية وقفت مع الحاكم برغم كل المعارضة ووصف من يدعي غير ذلك بمعاداة الثورة ومنهجها، رغم أن الشعب والمعارضة صاحوا بصوت واحد نحن مع التغيير، فهل تكون العلمانية مطلب الشعب الإيراني ومستقبله الذي ينتظره، الإسلام ليس له ذنب في كل ما جرى لكن بعض من يمثله جاوز الحد في دوره.