المخالفات الغذائية العديدة التي امتلأت بها الصحف المحلية في الآونة الأخيرة، وتنوّعت ما بين مخالفة مطاعم شروط السلامة الغذائية، وقيام بعض الشركات ومنافذ التوزيع بالاتّجار بمواد غذائية منتهية الصلاحية، وقيام بعض المحال بقطع التيار الكهربائي ليلاً عن المنتجات والسلع الغذائية في إطار سعيها إلى خفض تكلفة استهلاك الطاقة، كل هذا يسلّط الضوء على واحدة من القضايا التي تهدّد الأمن الصحي للمواطنين، وهي عدم التزام تنفيذ القوانين المرعية في مجال الشروط الصحيّة لدى نسبة كبيرة من المحال ومنافذ البيع بالدولة. المثير في الأمر أن قائمة المخالفين لم تعد قاصرة على المحال والبقالات الصغيرة، وإنما أصبحت تضمّ أيضاً أقساماً للأغذية في مراكز تجارية كبيرة لديها سمعة عريضة لدى الجمهور، الذي يأتي إليها اعتماداً على اسمها. وقد أشار تقرير "جهاز أبوظبي للرقابة الغذائية"، إلى مخالفات من هذا النوع مؤخراً عقب ضبط لحوم غير صالحة للاستهلاك الآدمي تباع معبّأة، في فرع تابع لسلسلة تجزئة شهيرة، وقيام محل آخر كبير بإعادة إنتاج لحوم دواجن مجهولة المصدر وتصنيعها، ما يعكس حجم الاستهتار بصحّة أفراد المجتمع، والتلاعب بها، ليس لهدف سوى تحقيق الربح المادي. والأخطر الذي تثيره قضية المخالفات الغذائية يتعلّق أيضاً بضخامة كميات الأغذية التي يتم إعدامها مؤخراً خلال الحملات التفتيشيّة، وكثرة المخالفات التي يتم ضبطها في مدن الدولة المختلفة، وفي هذا السياق تكفي الإشارة إلى أن "جهاز أبوظبي للرقابة الغذائية" قام خلال شهر يونيو الماضي بإعدام 77 طناً من المواد الغذائية، كما حرّرت إدارة الرقابة الغذائية في "بلدية دبي"، منذ بداية العام وحتى يوليو الماضي، (4672) مخالفة، وقامت بإغلاق (65) مؤسّسة غذائية مخالفة. والمخالفات الغذائية بهذا الشكل المتزايد لا تشكّل تهديداً للأمن الصحي للمواطنين وحسب، بل تعطي الانطباع بعدم فاعلية جهود الرقابة على الأغذية في الدولة أيضاً، برغم أن ذلك عكس الحقيقة، التي تؤشر إلى أن ضبط هذه الوقائع بحدّ ذاته يعكس جهداً ملحوظاً من أجهزة الرقابة الغذائية، خاصّة "جهاز أبوظبي للرقابة الغذائية"، الذي يتّسم بنشاط ملحوظ ويعمل وفق معايير وأسس دقيقة للغاية. بعضهم يرى أن معاقبة المخالفين بالإغلاق لبضعة أيام، أو دفع غرامة مالية بسيطة في الأغلب، لا تسهم في تكريس عنصر الردع المطلوب، ولا سيما أن خطورة هذه التجاوزات لا تقتصر على الصحّة العامة، برغم الأهميّة القصوى لهذا، بل قد تطال في تداعياتها التأثير في قطاع السياحة الذي يعتمد إلى حدّ ما على شبكة المطاعم العصرية والعالمية المنتشرة هنا وهناك، واستهتار بعضها -حتى لو كان قليلا- وعدم التزامه المعايير الصحيّة يعطي صورة مشوّهة عن الجميع، وقد تترك انطباعاً سلبياً، غير واقعي، عن مستوى الخدمة لمن يأتي إلى البلاد لقضاء عطلة سياحية. المشكلة لم تعد تكمن في غياب الرقابة على المواد الغذائية، فهناك العديد من الأجهزة والهيئات المنتشرة في مدن الدولة المختلفة، وإنما تتمثّل بالأساس في ضعف التنسيق القائم بين هذه الأجهزة من ناحية، واختلاف معايير الرقابة من إمارة لأخرى من ناحية ثانية، الأمر الذي أوجد ثغرات تنفذ من خلالها شركات الأغذية إلى إعادة طرح منتجاتها، حتى لو كانت مخالفة، في الأسواق. لقد أصبح من الضروري العمل على تفعيل الرقابة على الأغذية، وهذا يتطلّب أولاً تغليظ العقوبات، وثانياً زيادة أعداد المفتشين في مجال الأغذية، وقيامهم بمتابعات مباشرة ومتواصلة، وثالثاً التنسيق بين الجهات والدوائر الرقابية، وتوحيد معايير الرقابة على المستوى الاتحادي، وذلك لسدّ الطريق أمام أي ثغرات ينفذ منها المخالفون. ورابعاً تفاعل الجمهور مع هذه الجهود الرقابية، وقيامه بالإبلاغ عن أي مخالفات.