حدثان جريا الأيام الماضية في العراق يعمقان التردد الكويتي وبالذات الشعبي في الموافقة على إسقاط الديون العراقية. لم يأتِ هذان الحدثان - برأي بعض المراقبين في الكويت- في صالح من يطالب الكويت بإسقاط ديونها البالغة 15 بليون دولار أميركي، ناهيك عن تعويضات مستحقة للكويت قدرها 24 بليون دولار. الحدث الأول سردت تفاصيله "التايمز" البريطانية يوم الثلاثاء الماضي وتمثل في ضلوع الحرس الخاص لنائب الرئيس العراقي د. عادل عبدالمهدي بسرقة أكبر فرع لمصرف الرافدين بالكرادة ببغداد. قتل اللصوص ثمانية من شرطة حراس البنك، ومروا دون عرقلة عبر خمس نقاط تفتيش رسمية، ولم يوقفهم أحد لخرقهم حظر التجول في ساعة متأخرة من الليل. الأنكى أن اللصوص لجأوا لأحد مكاتب المجلس الإسلامي الأعلى -التابع له الدكتور عبدالمهدي- بشرق بغداد وتحصنوا فيه، وحاصرتهم قوات الأمن وسط تردد الأوامر "العليا" قبل أن تسمح لهم باقتحام المكاتب وإلقاء القبض على العصابة وتخليص أكثر مما يعادل سبعة ملايين وربع المليون دولار بالعملة العراقية من اللصوص. وكان من بين اللصوص رئيس الحرس الخاص لرئيس المجلس الإسلامي الأعلى السيد عبدالعزيز الحكيم الذي يعالج من مرض السرطان في طهران. أما الحدث الثاني، فكان العثور على رفات الكابتن طيار الأميركي النقيب مايكل سبايكر بعد مرور ثمانية عشر عاماً على إسقاط طائرته في الأنبار ليلة اندلاع عملية عاصفة الصحراء لتحرير الكويت في السابع عشر من يناير عام 1991. الرواية التي ساقتها وسائل الإعلام الأميركية أن بدوياً في الصحراء تذكر أنه دفن جثمان الطيار في منطقة صحراوية بعد إسقاط طائرته مباشرة، وهي رواية أقرب ما تكون إلى فيلم هوليوودي من أفلام الخيال العلمي: لماذا انتظر كل هذه المدة كي يخبر الجيش الأميركي بمكان دفن الطيار؟ وكيف تذكر "فجأة" أنه دفن طياراً أميركياً في تلك المنطقة؟ وهل وضع علامة على مكان القبر كي يعود إليه بعد 18 عاماً؟ ولماذا انتظر ستة أعوام كاملة على سقوط النظام الذي أسقط الطيار ليتذكر عملية الدفن ومكانها؟ حادثة السطو على البنك التي قامت بها أطراف عراقية، ورجال يفترض أنهم حماة القانون، عكست حالة الفوضى ودرجة الفساد الرسمي ببغداد، وأثارت جدلاً بين الكويتيين: حين ساعدنا العراق بتقديم القروض له أيام حربه مع إيران، يقول بعض العراقيين إنكم ساعدتم صدام وحروبه وقمعه للشعب العراقي ولم تساعدوا العراق وشعبه! فإن نحن أسقطنا الديون عن العراق اليوم، فما الضمانة ألا يقال لنا غداً إننا ساعدنا حكومات "فاسدة" تأكل وتنهب قُوت الشعب العراقي المنكوب وأنتم تعلمون بمدى فساد هذه الحكومات؟ كما أثارت قصة "التذكر" العراقي لدفن الطيار الأميركي غصة في قلوب أهالي أكثر من ثلاثمائة وخمسين كويتياً لا يزالون مفقودين في العراق ولم يتم التوصل إلى رفاتهم أو التعرف على مصيرهم، صحيح أنه يصعب الاعتقاد أن تلكؤاً رسمياً وراء استمرار حالة الغموض هذه، لكن الحادثة حركت أوجاعاً لدى أهالي المفقودين الكويتيين يصعب تهدئتها بتصريحات مجاملة بين البلدين. التعويضات شيء، والديون العراقية شيء آخر: الأولى بحاجة لقرار دولي يرفعها أو يخفض قيمتها من صادرات النفط العراقي. لكن الديون من دولة إلى دولة، ولإسقاطها فإن الحكومة الكويتية بحاجة إلى موافقة برلمانية قد تصعب في ظل انتشار الفساد في العراق واستمرار حالة المفقودين بعد اكتشاف الطيار الأميركي. على الصعيد الرسمي، فإن التصريحات بين مسؤولي البلدين تظهر الأمور بأنها "خوش بوش" -كما يقول العراقيون، لكن تصريحات برلمانية تصدر من عاصمتي البلدين يمكن أن تفسد أجواء نتمنى لها الانفراج والتعايش البناء. د. سعد بن طفلة العجمي