ما هي الرؤى العامة للإصلاح التعليمي؟ وكيف يمكن تجديد الاستراتيجية التربوية الموجهة للسياسات التعليمية وفق متغيرات العصر؟ وما الأهداف التي ينبغي تحقيقها من سياسات تعليم المستقبل؟ هذا جانب من التساؤلات التي يحاول الإجابة عنها الدكتور علي صالح جوهر ضمن كتابه \"الإصلاح التعليمي في العالم العربي... توجهات عالمية\"، والذي نعرض بإيجاز فيما يلي أهم محتوياته. يتألف الكتاب من خمسة فصول يتطرق خلالها إلى مفهوم الإصلاح التعليمي، وتحديات العولمة، وعلاقتها بالإصلاح التعليمي، والرؤية العالمية حول تعليم القرن الحادي والعشرين، وأخيراً مستقبل الإصلاح التعليمي والعولمة في مصر. وطبقاً للكاتب، فإن مفهوم الإصلاح التعليمي هو أحد المفاهيم المضافة حديثاً إلى مجموعة المفاهيم التربوية، وإن وجدت برامج الإصلاح التعليمي في ستينيات القرن الماضي وكانت تأخذ باتجاهٍ يُبقي من النظم ما هو لازم وضروري، ويضيف من المجالات الحديثة ما تثبت فائدته. لكن فيما بعد أخذت برامج الإصلاح التالية بالاتجاه الذي يعيد بناء النظام التربوي وفق أسلوب جديد يتضمن تقديمه بطرق حديثة وأساليب مبتكرة. هذا ولا يقصد بالإصلاح التعليمي مجرد قرار يصدر بتحقيق التغيير، وإنما هو عملية شاملة تتناول المتغيرات والعوامل المكونة للنظام التعليمي، وتهيئ البشر والإمكانات وسائر الشروط، المادية وغير المادية، لقبول التطوير وتفهم أهدافه. ولأن النظام التعليمي ذاته لا يمكن رؤيته خارج النظام الأكبر، باعتباره نظاماً مصغراً بالقياس إلى النظام المجتمعي ككل، فإن إصلاح التعليم لا يمكن أن يتم خارج الإطار الثقافي والفلسفي السائد في المجتمع. بيد أن الإطار الأوسع للنظام التعليمي لم يعد المجتمع المحلي أو الوطني نفسه، بل أصبحت العولمة إحدى بيئاته الحاضنة الأكثر تأثيراً. فكيف تفرض العولمة تحدياتها على التعليم؟ وعلى أي نحو تؤثر في تحديد خيارات الإصلاح التعليمي؟ في هذا الخصوص، يوضح المؤلف جوانب أساسية لتأثر النظم التعليمية بالعولمة، مثل تزايد اللجوء إلى اللامركزية في التعليم، وهيمنة القطاع الخاص على نظام التعليم وإنتاجه والاستثمار فيه، وظهور الشركات التعليمية متعددة الجنسيات، وتراجع دور الدولة في النظام التعليمي، وتوسع دائرة الخيارات والبدائل التعليمية أمام الباحثين عنها. ومع ذلك، يلاحظ المؤلف أن تأثير العولمة في محتوى النظم التعليمية ما يزال ضعيفاً في كثير من الدول النامية. فحجم التغير الحادث في التعليم أقل مما تتطلبه ظاهرة العولمة، ومن ذلك تنمية الوعي بالثقافات الأخرى، وزيادة الاهتمام بالمعرفة وتنمية المهارات اللازمة، والاهتمام بتأثيرات العولمة على التعليم العالي بصفة خاصة، وضرورة الاهتمام بأثر الإصلاحات الاقتصادية على مدخلات التعليم ومخرجاته. وفيما يتعلق بدور التعليم في استيعاب المجتمع للعولمة ومواجهة التحديات التي تفرضها، يتوقف المؤلف عند بعض الوظائف الرئيسية للتعليم، مثل إكساب الفرد قيم الفردية والاعتزاز بالشخصية، ودوره في إعادة صيغة العلاقة بين العلمانية والدين، وفي التوفيق بين القطاعين العام والخاص، وفي صياغة العلاقة بين الاستقلال الوطني والاعتماد الخارجي، وإعادة ترتيب العلاقة بين القومي والمحلي، وتدعيم قيم الديمقراطية وتطبيقاتها، وتحقيق التوافق بين الماديات والروحانيات، والمواءمة بين الروح الوطنية والانفتاح الخارجي، والتحول من المجتمع المحلي إلى المجتمع العالمي، والانتقال من التلاحم الاجتماعي إلى المشاركة الديمقراطية، والانتقال من النمو الاقتصادي إلى التنمية البشرية... كما يتناول الكتاب موضوع الإصلاح التعليمي للقرن الحادي والعشرين، على ضوء تقرير \"التعليم... ذلك الكنز المكنون\"، والذي أعدته لجنة من الخبراء والشخصيات الثقافية ترأسها جاك ديلور بتكليف من \"اليونسكو\" بين عامي 1993 و1996، وقد تضمن مفهوماً ثورياً جديداً للتعليم، ليس باعتباره مجرد أداة لاكتساب المهارات المختلفة، بل كعملية تستهدف توسيع الخيارات المتاحة للأفراد وفي مقدمتها: الحصول على حياة طويلة، والحصول على المعارف، وتوفير الموارد اللازمة لتأمين مستوى معيشة لائق وكريم. واقترح تقرير اللجنة تصوراً لعملية التعليم يعتمد على مبدأين، أولها يتناول دعائم التربية الأربع: \"التعلم للمعرفة\"، و\"التعلم للعمل\"، و\"التعلم لتحقيق الذات\"، و\"التعلم للعيش مع الآخرين\". أما المبدأ الثاني، فهو \"التعلم مدى الحياة\"، ويمثل أحد مفاتيح \"تعليم القرن الحادي والعشرين\"، إذ يتجاوز التمييز التقليدي بين مراحل التعليم ويستجيب للتحدي الذي يطرحه عالم سريع التغير. فالتعلم وفق هذا المفهوم، يمثل تجربة جديدة تعتمد على فكرة تعليم متعدد الأبعاد ومتواصل مدى الحياة، في بيئة تتجه نحو العالمية، يزاوج أبناؤها مزاوجة خلاقة بين المحلي والعالمي. ويخصص الدكتور جوهر الفصل الأخير من كتابه لمناقشة مستقبل الإصلاح التعليمي والعولمة في مصر، حيث يرى أنه لا غنى لمصر عن التعليم باعتباره وسيلة التغلب على تحديات القرن الحادي والعشرين، فهو ضرورة ملحة تمليها متطلبات التنمية، وهو الوسيلة المثلى لتطوير الموارد البشرية القادرة على التكيف مع متغيرات المستقبل، ما يحتم ضرورة إجراء مراجعة شاملة للتربية السائدة حالياً في مصر كي تتمكن من مسايرة متغيرات القرن وتحدياته. ولا يمكن أن يتحقق ذلك الإصلاح التعليمي في مصر، حسب المؤلف، دون مشاركة فعالة من جميع الجهات، الحكومية والأهلية والخاصة، للإسهام في الإصلاح التعليمي المصري للقرن الحادي والعشرين. محمد ولد المنى الكتاب: الإصلاح التعليمي في العالم العربي... توجهات عالمية المؤلف: علي صالح جوهر الناشر: المكتبة العصرية تاريخ النشر: 2009