لم تكد إسرائيل تنتهي من بناء الجدار العازل المضروب حول الضفة الغربية والقدس، حتى بدأت حفر القناة التي تربط البحر المتوسط بالبحر الميت. وفي الأساس، جرى رسم خريطة الجدار العازل، بحيث تقتطع إسرائيل بها مزيداً من الأراضي الفلسطينية وبنسبة تبلغ 20 في المئة من مساحة الضفة الغربية. وقد أنفقت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة حتى الآن على بناءً ذلك الجدار أكثر من مليار دولار. وقد أدى بناء هذا الجدار إلى عزل بلدات وقرى فلسطينية عن عمقها الديموغرافي. كما فُصلت قرى فلسطينية كثيرة عن المزارع التابعة لها، والتي تشكل مصدر عيش لأبنائها. وفي إحدى القرى عُزلت البيوت عن الكنيسة (الأرثوذكسية)، وعزلت مدارس عن الطلاب. ومن أجل ذلك، أصدرت محكمة العدل الدولية في يوليو 2004 حكماً تاريخياً وصفت فيه الجدار العازل بأنه ينتهك حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، وهو حق كفلته لهم شرعة الأمم المتحدة وقراراتها، كما وصفت فيه الادعاء الإسرائيلي بأنه حق من حقوق الدفاع عن النفس ضد الهجمات الانتحارية التي يقوم بها فدائيون فلسطينيون، بأنه ادعاء غير مبرّر وغير منطقي وغير مقبول. وفي ضوء هذين الأمرين، حكمت المحكمة الدولية بوجوب وقف البناء وهدم الجدار. غير أن إسرائيل رفضت الانصياع للحكم الدولي، وهي تمضي قدماً في تكملة بناء الجدار العازل على رغم أنها استكملت في عام 2007 معظم أجزائه. فحتى الآن أكملت إسرائيل بناء 406 كيلومترات من الجدار ويجري العمل على بناء 42 كيلومتراً أخرى، وسيمتد الجدار عند استكمال بنائه على مسافة 770 كيلومتراً، وسيؤدي إلى عزل نحو 237 ألف فلسطيني عن حدود عام 1967، كما سيضع نحو 160 ألف فلسطيني آخرين في تجمعات معزولة. وفي هذه الأثناء، بدأت إسرائيل العمل في مشروع \"قناة البحرين\" (أي البحر المتوسط والبحر الميت). ونظراً لتباين المستويات بين البحر المتوسط والبحر الميت المنخفض، فإن ذلك سيمكّن إسرائيل من إقامة منشآت لإنتاج الطاقة الكهربائية فوق مساقط المياه التي ستتدفق من المتوسط إلى الميت. كما أنه سيمكن من إقامة طريق ملاحي للشحن البحري.. إضافة إلى سلسلة من المستوطنات اليهودية على طول طريق القناة البحرية. وقد جرى تخطيط المشروع كله تقريباً، بحيث تستولي إسرائيل عن طريقه على المزيد من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، وبما تبلغ مساحته 139 ألف دونم. ويحيط هذا المشروع بمدينة الخليل، كما يحيط بمدينة القدس، مما يعني إكمال عملية الفصل بين جنوب الضفة الغربية وشمالها، الأمر الذي يطرح علامة استفهام كبيرة حول جدوى إقامة دولة فلسطينية على هذه البقية الباقية من الأرض؟ لقد صادرت إسرائيل مساحات واسعة من الأراضيٍ الفلسطينية من خلال جدار العزل. وهي تخطط لمصادرة المزيد من هذه الأراضي الفلسطينية أيضاً من خلال قناة الوصل. وبذلك، تبدو إسرائيل كالمنشار الذي يشق الأرض الفلسطينية في كل حركة عزلاً ووصلاً. ومن الواضح أن إسرائيل لا تصادر الأراضي من أجل الأراضي، ولكنها تصادرها من أجل إقامة المستوطنات اليهودية عليها، ومن ثم تحويل هذه المستوطنات إلى أمر واقع يضيف عاملاً جديداً إلى اللاجدوى من مشروع الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح التي تحدث عنها بنيامين نتنياهو! ففي عام 1993، جرى التوقيع في أوسلو على اتفاق بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية (ياسر عرفات). ونصّ الاتفاق في حينه على إقامة الدولتين، كما نصّ على وقف بناء المستوطنات أو توسيعها. ولكن منذ ذلك الوقت ارتفع عدد المستوطنين اليهود داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة ضعفين ونصفاً. ويبلغ عدد المستوطنين اليهود الآن حسب الإحصاءات الإسرائيلية الرسمية 470 ألفاً، بعد أن كان عددهم في عام 1993 لا يزيد على 222 ألفاً. أما العدد الحقيقي، فهو أكثر من ذلك، إذ يزيد على نصف مليون، منهم 300 ألف في الضفة الغربية وحدها موزعين على 120 مستوطنة، يضاف إليهم المستوطنون من اليهود الأرثوذكس (المتشددين) في مدينة القدس. وكذلك نصّت خريطة الطريق على التزامات إسرائيلية وفلسطينية محددة. وقد احترمت السلطة الفلسطينية كل الالتزامات التي تعهدت بها بموجب هذا الاتفاق، بما فيها \"مكافحة الإرهاب\". ولكن إسرائيل لم تحترم البند الأساس المتعلق بها، وهو وقف الاستيطان بما في ذلك الاستيطان الذي يستجيب لما يسمى حاجة \"النمو الطبيعي\". ومن أجل ذلك طالبت الولايات المتحدة إسرائيل في عام 2003 بتجميد المستوطنات، وبإزالة المستوطنات العشوائية منها التي تستخدم كنقاط أمامية لمراقبة حركة السكان العرب والتي أُقيمت في عام 2001، ولكن إسرائيل لم تستجب للطلب الأميركي حتى الآن. ولا يبدو أنها مستعدة للاستجابة لهذا الطلب المتجدد الذي قدمته أيضاً إدارة الرئيس الأميركي الجديد أوباما. فمن بين مئة مستوطنة عشوائية من هذا النوع، أُقيمت 84 مستوطنة منها فوق أرض فلسطينية مصادَرة. ولا تقتصر المصادرة على المساحة التي تقوم عليها المستوطنة اليهودية، ولكن المستوطنين يمنعون الفلسطينيين بقوة النار من الاقتراب من منشآتها أيضاً، مما يحرمهم من استثمار أراضيهم، كما يعرّضهم دائماً للإرهاب والاعتداء. ولذلك، فإن ما يجري هو على عكس ما نصّ عليه \"اتفاق أوسلو\" وخريطة الطريق معاً. فإسرائيل تواصل بناء \"الجدار العازل\"، مع ما يعنيه ذلك من مصادرة المزيد من الأراضي، وهي تمضي قدماً في حفر \"قناة البحرين\" مع ما يعنيه ذلك أيضاً من مصادرة مساحات واسعة من أراضي الضفة الغربية، تماماً مثلما أنها تصدر تراخيص جديدة لبناء المزيد من المستوطنات اليهودية، على رغم أن الكثير من منشآتها السكنية لا يزال فارغاً بانتظار تهجير المزيد من اليهود! وهكذا في الوقت الذي يعيش مئات الآلاف من الفلسطينيين في أكواخ من القصدير، وفي بيوت أشبه ما تكون بقنن الدواجن، ترتفع البنايات شاهقةً في المستوطنات اليهودية بحثاً عن مهاجرين يُستقدمون إليها من أطراف الدنيا. وقد سُئل حاخام إسرائيلي أثناء حديث تلفزيوني أجرته معه القناة الإيطالية: إنكم تقيمون المستوطنات في الضفة الغربية على أساس أنها أرض توراتية وعد الله بها بني إسرائيل.. ولكن مرتفعات الجولان السورية المحتلة منذ عام 1967 ليست جزءاً من الأرض الموعودة، فلماذا تستمرون في احتلالها ولا تعيدونها لسوريا؟ فردّ الحاخام: أين تريد أن يقضي الإسرائيليون إجازاتهم؟ لقد كان العالم يرثى لحال اليهود لأنهم تعرّضوا للمذابح على أيدي النازية.. واليوم يرثى العالم لحال الإسرائيليين؛ لأنهم لا يجدون مكاناً لقضاء إجازاتهم سوى مرتفعات الجولان. إنهم يحتلّون الأراضي الفلسطينية باسم \"حق الله\"، ويحتلّون الأراضي في سوريا ولبنان (مزارع شبعا) باسم حق الإجازة! أليس ذلك حقاً من حقوق \"الشعب المختار\"؟!