يوجد في الأوساط الرسميّة الإسرائيلية شعور، أو ادّعاء بالشعور، بأنّ الفترة الصعبة في العلاقة مع واشنطن قد انتهت. وأنّ لحظة "الهجوم المُضاد" بدأت، وأنّ بإمكان حكومة بنيامين نتنياهو، الادّعاء أنها صمدت ولم "تركع" أمام أوباما. وكما يؤكد الكاتب عوفر شيلح في "معاريف"، فإنّ الزيارات التي قام بها مسؤولون أميركيون إلى إسرائيل الأسبوع الماضي كان خلالها لسان حال الإسرائيليين يقول: "ألم نقل لكم"؟ والمقصود هنا أنّ المسؤولين الإسرائيليين يتصورون أنّ إدارة أوباما بدأت تدرك أنّ الأمور بالشرق الأوسط لن تسير بسهولة. ويعوّل الإسرائيليون على ثلاثة اعتبارات رئيسية للهروب من استحقاقات التسوية. أولها أنّ ورطة واشنطن في العراق وأفغانستان ومع إيران ستحرف انتباهها عن الموضوع الفلسطيني. والثاني، أنّ شعبية أوباما تتراجع تدريجيّاً ما يضعف موقفه أمام أصدقاء إسرائيل في الكونجرس. والثالث، أنّ يقوم العرب بما يكفي لإثبات ادّعاءات إسرائيل أنّهم لا يريدون السلام. وإذا كان مطلب نتنياهو باعتراف عربي بـ"يهودية إسرائيل" لم يلقَ آذاناً صاغية في واشنطن، فإنّ المطالبة بخطوات "تطبيع" عربية يبدو أنّه لقي صدىً. أما المواقف العربية التي اتضحت منها بوجه خاص مواقف جامعة الدول العربية، والسعودية، والأردن، فقد رفضت بشكل حاسم فكرة التطبيع قبل التسوية التي طرحتها واشنطن. وكان الرد السعودي تحديداً جليّاً في أنّ الحديث عن التطبيع هو انحراف عن التسوية، فالمشكلة هي الاحتلال وما يتبعه من قضايا وليس التطبيع. ولكن على رغم الرد العربي الواضح، فهذا لا يمنع أنّ إسرائيل نجحت في كسب بعض الوقت من خلال مقولات التطبيع. ووضعت الدول العربية في موقع الدفاع، وجعلت جورج ميتشيل والمسؤولين الأميركيين في موقع الوسيط في موضوع التطبيع، بدل أن يستمروا في ضغطهم باتجاه محدد غير مرتبط بقضايا أخرى وهو تجاه الوقف التام للاستيطان. وبذلك يكون الإسرائيليون قد انتقلوا فعلًا إلى بداية هجوم مضاد، وينشط الآن عضوان في مجلس الشيوخ أحدهما "الديمقراطي" إيفان بايه، والثاني "الجمهوري" جيمس ريش، في جمع تواقيع على خطاب موجه للرئيس الأميركي يطالبه بالضغط على الدول العربية لإنهاء مقاطعة العرب لإسرائيل. وبحسب ما يلاحظ الباحث في "مركز الولايات المتحدة للسلام" في واشنطن، والمتخصص في الشؤون الإسرائيلية، حسن البراري، في مقال له، فإن سفير إسرائيل في واشنطن مايكل أورن يطلق خطوة جديدة من الانفتاح على طيف أوسع من يهود أميركا وتحديداً على اليسار السياسي اليهودي الأميركي، الذين برزت مؤخراً بينهم جماعات ذات طروحات مختلفة عن اللوبي الإسرائيلي التقليدي من حيث تأييدها لعمليّة السلام، وهي تلقى قبولاً لدى إدارة أوباما، ومن أهمها اللوبي اليهودي الذي أسس قبل 15 شهراً باسم "جاي ستريت". ومن هنا وحتى لا يكون العرب قد مارسوا سياسة الانتظار السلبية لما سيفعله أوباما يجدر بهم أن يبادروا للخروج من موقع الدفاع، (حتى لو كان دفاعاً إيجابيّاً رادّاً)، إلى المبادرة بهجوم سلام منسّق ومتكامل المعالم. ومن ذلك التحرك في ثلاثة اتجاهات، الأول هو تفعيل اللجنة العربية التي شكلت قبل سنوات (بمشاركة 13 دولة)، أو تشكيل لجنة جديدة للتحرك جماعيّاً لدعم مبادرة السلام العربية. والثاني، التواصل مع جماعات الضغط المختلفة في الولايات المتحدة، بما فيها اليهودية المؤيدة لحل الدولتين ووقف الاستيطان. والثالث، وهو الأهم البدء بـ"هجمة" دبلوماسيّة شعبيّة، بواسطة تفعيل قوى المجتمع المدني العربية ونظيرتها العالميّة وتحديداً الأوروبية، بهدف تفعيل القرارات الدولية الخاصة بفلسطين، باستكمال العمل المنقوص الذي تم إنجازه في محكمة العدل الدوليّة في لاهاي، عام 2004، عندما أصدرت المحكمة رأياً استشاريّاً بأنّ جدار الفصل العنصري غير شرعي. وإذا كانت هناك لجان كثيرة للمقاطعة الأكاديمية، والرياضية، والسياسية، والتجارية، ضد إسرائيل في دول العالم، خصوصاً في أوروبا تحاول تكرار تجربة مقاطعة النظام العنصري في جنوب أفريقيا، فإنّ الأصل هو تفعيل دور المنظمات العربية في هذه المجالات للتواصل مع لجان المقاطعة الدوليّة ودعم نشاطاتها ضد الاحتلال والجدار والاستيطان. وبمثل هذه الأدوات، يمكن أن يزداد الضغط على إسرائيل، وتتعزز القناعات لدى أصدقائها أنفسهم بأنّ هناك الكثير مما يتعين عليها فعله، وأن أية مطالب من نوع "التطبيع"، و"يهودية الدولة"، هي ذرائع سترتد سلباً على إسرائيل ذاتها. د. أحمد جميل عزم aj.azem@gmail.com