النظام القانوني الحالي المتعلق بالدفاع عن النفس تحت مظلة القانون الدولي العام، والمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، يضعان شروطاً صارمة على إنفاذ حق الدول في الدفاع عن نفسها. وعن طريق وضع تلك الشروط، صار يصعب القيام بالدفاع عن الاستباقي عن النفس، بحيث أصبح أمراً محظوراً في الغالب. ولكن مع تفشي ظاهرة الإرهاب الدولي تكشفت حالات من عدم التواؤم الجوهري بين المفاهيم التقليدية للدفاع عن النفس وبين واقع التحديات الأمنية المستجدة. لقد تم تحديد المتطلبات الخاصة بالإنفاذ الشرعي للدفاع عن النفس في القانون الدولي من قبل المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي العام، فكلا المصدرين القانونيين يحددان بدقة الظروف التي يمكن بموجبها ممارسة حق الدفاع عن النفس، ويحددان بشكل قاطع من استخدام القوة الاستباقية لتحقيق ذلك. توفر المادة 51 مجالاً للاستثناء بالنسبة لمنع استخدام القوة، ولكن إذا ما كان باستطاعة الدول استخدام القوة في الدفاع عن النفس وفقاً لتلك المادة، فإن الميثاق نفسه يقف في وجه ذلك في أماكن أخرى جاعلاً الدفاع عن الاستباقي عن النفس غير ممكن لأسباب ثلاثة: الأول، هو أن الدفاع عن النفس مسموح به فقط إذا ما وقع هجوم مسلح على الدولة، ولكن بعد أن ينتهي الهجوم لا يبقى للدولة المعتدى عليها حق في الدفاع عن النفس. وبالطريقة نفسها، يمكن للدول أن تستخدم القوة الدفاعية ضد هجوم قد وقع بالفعل، ولكن ليس ضد هجوم قد يقع في المستقبل. والثاني، هو أن الهجوم المسلح هو الظرف الخاص الذي يمكن وفقاً له ممارسة الدفاع عن النفس وفقاً للمادة 51. وبقراءة تقليدية للمصطلحات "هجوم مسلح" يصبح الهجوم المباشر من قبل جيش دولة ما على حدود دولة أخرى أو ممتلكاتها أو سكانها هو الذي يولد الحق الخاص بالدفاع عن النفس. والثالث هو أنه وفقاً للمادة 51، فإن حق الدولة في استخدام القوة كرد فعل على هجوم وقع عليها ممكن بعد أن يكون مجلس الأمن الدولي قد اتخذ إجراءات تحقيق السلم. وبهذا المعنى، فإن ميثاق الأمم المتحدة يمنع الاستخدام الأحادي للقوة فيما عدا عند إقرار ذلك من قبل مجلس الأمن الدولي وفقاً للفصل السابع، وهذا المنع ذو باع طويلة جداً. والواقع أنه عن طريق منع أي تهديد باستخدام القوة أو استخدامها فعلاً، فإن لغة الميثاق تجرم أي استخدام للقوة العسكرية سواء صنفت بأنها حرب هجومية أو عمل دفاعي كالأخذ بالثأر من عدوان سابق أو استرداد حق مغتصب أو تدخل لأغراض إنسانية أو حماية للمواطنين. لذلك فإن الدفاع الاستباقي ممنوع تماماً وفقاً لميثاق الأمم المتحدة. وهنا يمكن الإشارة إلى أن الاعتراف بالدفاع الاستباقي عن النفس هو حل وسط واقعي بين الصورة المخادعة لنظام الأمن الجماعي وخطر تفشي الاعتداءات على المستوى العالمي. وفي ظل غياب قانون محاسبة جنائية عالمي، وقوة شرطة دولية، وآليات تطبيق فعالة للقانون الدولي، فإن التفسير التقليدي لحق الدفاع عن النفس وفقاً للمادة 51 من الميثاق التي تمنع التصرفات المسبقة، تعطي نشاطات الإرهابيين والدول التي ترعى الإرهاب حصانة أمر واقع من العدالة وتطبيق القانون. مخاطر التهديد الناشئة عن الإرهاب تجعل من السماح بالدفاع المسبق عن النفس ليس ضرورة فقط، بل تجعله أمراً معقولاً وعادلاً ومنصفاً. وبرغم أن الدفاع الاستباقي عن النفس يجب أن يبقى دائماً خياراً، فإن ذلك لا يجب أن يشكل مناداة للاستخدام المستمر للقوة، فالهجمات الاستباقية يجب ألا تكون القاعدة، ولكنها يمكن أن تصبح شرعية كاستثناء يقابل ما ينقص عليه الميثاق من منع لاستخدام القوة. وفي الوقت الذي يتداخل فيه الشأن القانوني مع التبريرات السياسية، لا يجب الخلط بين الأمرين، فانتقاد قيام إيران بإنتاج أسلحة نووية على أساس أنه أمر غير صائب من الناحية السياسية لا يعني بالضرورة أنه من المشروع قانوناً القيام بضربها عسكرياً. وعلى العكس من ذلك، فإن مناقشة مقولة الدفاع الاستباقي عن النفس على أنها مبدأ قانونياً لا يعني بالضرورة بأنها تشكل مبدأً جيداً، فمبدأ الدفاع الاستباقي عن النفس دائماً ما يمكن إيجاد مبررات قانونية للقيام به، ولكن المشكلة هي ما إذا كان ذلك أمراً مقبولاً من الناحية السياسية. وأخيراً، فإن إيجاد قاعدة موسعة للدفاع عن النفس يتطلب أيضاً إجراءات جديدة، ولأن الشيطان يكمن في التطبيق القريني، أي في البيئة المحيطة الخاصة بالحق في الدفاع عن النفس، فإن أهمية متساوية تُعطى للتعريف الخاص بالمؤسسات والإجراءات الخاصة بالتدقيق في ممارسات الدفاع الاستباقي عن النفس، مبقية الدول حرة مستقلة في تصرفاتها، لكنها في الوقت نفسه تضعها تحت طائلة المسؤولية القانونية.