كل من يعتقد أو يظن أن الدول العربية قادرة على بناء موقف موحد تجاه موضوع ما، سريعاً ما يفاجأ بواقع مؤلم يتأكد معه أن مجرد التفكير في إمكانية حدوث إجماع عربي حول أي موضوع قد يكون نوعاً من الخيال. حين أعلن وزراء الصحة العرب الأسبوع الماضي، في القاهرة، عن اتفاق حول قواعد تقضي بمنع كبار السن (فوق 65 عاماً) والأطفال (الأقل من 12 عاماً) من أداء فريضة الحج لهذا العام، تحوطاً من الإصابة بوباء انفلونزا الخنازير، لم يخطر على بال أحد منا بأن هناك من يمكن أن يعترض، فالعالم كله يعاني جراء هذا المرض، ويحاول التعاون من أجل السيطرة عليه. وجاء الرد سريعاً من بعض الحكومات التي لم تقبل هذا القرار، مثل الحكومة الجزائرية التي رفضت تطبيق قرار وزراء الصحة العرب واعتبرت نفسها غير معنية به، مما أسفر عن مفاجأة للكثيرين ممن يتابعون طريقة إدارة العرب لشؤونهم، فالقرار مبني على رغبة في محاصرة المرض جغرافياً على الأقل ومنع انتشاره، وكذلك من منطلق الهدف الذي يرمي إليه، وهو الحفاظ على صحة الحجيج بمن فيهم حجاج الجزائر نفسها. لست مهتماً كثيراً بأسباب ومبررات رفض الجزائر للقرار، على الأقل باعتبار ذلك أمراً داخلياً، لكن ما يعنيني هنا الكيفية التي تتصرف بها الدول العربية عندما يتطلب الأمر منها موقفاً سياسياً جمعياً، حيث عانت الشعوب العربية كثيراً بسبب هذه الاختلافات والانشقاقات التي يزداد شرخها في وقت العالم يكون فيه أكثر تقارباً من بعضه، ويتعاون من أجل إسعاد المجتمع الدولي. خلافات العرب وعدم اتفاقهم على قرار ما ليست حالة عربية استثنائية، لكنها ظاهرة مستمرة منذ القدم، حيث اعتدنا الخلافات والانشقاقات حول أبسط المواقف السياسية وغيرها، حتى صرنا نجد مواقف عربية متعددة ومتباينة في قضية واحدة، بعضها يهدد مصالح العرب أنفسهم، خذ مثلاً الموقف الخليجي من امتلاك إيران السلاح النووي، والموقف العربي من التعامل مع إسرائيل. وهو ما ينفي ادعاء العرب المتكرر بأن ما يربطهم من وحدة المصير أكثر مما يفرقهم ويدفعهم للاختلاف، وهو أمر في الواقع لا يعدو أن يكون حبراً على ورق وترديداً لكلام مل المواطن العربي سماعه. وإذا كان الاختلاف على المستوى السياسي أمراً مقبولاً نسبياً، باعتبار أن السياسة المتهم الرئيسي في الاختلافات العربية، فإن الغريب أن يحدث الاختلاف في أمر صحي، وقد يعود بعواقب سلبية على العرب أنفسهم، وهو ما يهدد أي تعاون مستقبلي يمكن أن يتم التفكير فيه. ومع كل التغيرات الحاصلة في العالم، على مستوى علاقات التعاون بين الدول، إلا أن العرب مازالوا يؤكدون أنه من المستحيل أن يتفقوا دون تدخل خارجي، وأصبح الاتفاق موضع استغراب ودهشة، فعندما صام المسلمون شهر رمضان في يوم واحد، قيل إن للولايات المتحدة دوراً في توحدهم، إما من باب المزاح أو من بوابة نظرية المؤامرة ذات الجذور العميقة في مخيلة المنطقة! هذه الحالة العربية العامة، تدفعنا إلى ألا نعقد آمالاً كبيرة على أي اتفاق عربي في مواجهة أي موقف يحاك ضد دولة عربية، أو حتى ما يطرح من مشاريع عربية تنموية، فكل مواقفها ما تزال ضعيفة، وفي اعتقادي أن هذا يفسر سبب عدم وضع الدول الأخرى أي اعتبار لردة الفعل العربية بشكل موحد. الخلاف والاتفاق حول قواعد الحج ربما يعد هيناً مقارنة بخلافات العرب ومزايداتهم حول قضايا مصيرية، مثل الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، والتحديات الناجمة عن التدخلات الإيرانية في الشأن العربي، وانسحاب الولايات المتحدة من العراق... والاتفاق في موضوعات كهذه مسألة صعبة للغاية، وحلم صعب المنال في ظل حالة التشرذم العربية، وفي ظل المزايدات والاتهامات المتبادلة بين العواصم العربية.