في سياق الاستعدادات الجارية لخوض الانتخابات الرئاسية ومجالس المحافظات المحلية بحلول يوم 20 من شهر أغسطس الجاري، سوف يصدر الصحافيون والنخب السياسية العالمية حكمهم على السنوات الخمس الماضية من تجربة الحكم الأفغاني. غير أنه يحق للمواطنين الأفغان وحدهم انتخاب من يتولى قيادة بلادهم خلال السنوات الخمس المقبلة. وتمثل الانتخابات هذه فرصة للأفغان كي يقرروا لهم ولأطفالهم مستقبلاً سلمياً ووطناً يعمه السلام والاستقرار في المستقبل. بمساعدة المجتمع الدولي وتوجيهه، تمكن الأفغان قبل خمس سنوات مضت من إجراء أول انتخابات لهم، تعد الأساس لبدء بناء دولتهم الحديثة. وقد كانت تلك العملية في غاية الصعوبة والتعقيد لكونها أعقبت 25 عاماً من الغزو الأجنبي والحروب الأهلية والقهر والإرهاب الذي تحركه قوى خارجية. ولكن هذه المرة تقع على السلطات الأفغانية وحدها المسؤولية التامة عن الوفاء بحق الشعب الأفغاني في اختيار قيادته، على أن يكون دور المجتمع الدولي مساعداً وليس قائداً للنخبة الوطنية الحاكمة في كابول. وبالطبع، لن تكون هناك أي قيمة لهذه الانتخابات ما لم يتمتع الناخبون بحق الانتخاب الفعلي، وما لم يكونوا على وعي بالبرامج والأهداف التي يدافع عنها كل واحد من المرشحين. وهذا ما يتطلب أهمية إجراء حوار جاد وواضح بين جميع المرشحين من جهة، وبينهم والشعب الأفغاني من الجهة الأخرى. ولكن ما أكثر وأصعب القضايا التي تنتظر التصدي لها من قبل النخبة السياسية الأفغانية. منها على سبيل المثال: كيف يمكن للرئيس التالي أن يبنى قوات جيش وأمن وطنية يحترمها الأفغان ويعول عليها في توفير الأمن والنظام؟ وهل يمكن لثروات البلاد ومواردها أن تستغل في خدمة أهداف التنمية والاستثمار على نحو مسؤول وخاضع للمساءلة والمحاسبة؟ وكيف يمكن تعليم وتدريب الشباب الذين يمثلون رأس المال البشري الذي تحتاجه أفغانستان للمضي قدماً للأمام؟ ثم ما هي السياسات التي يمكن تبنيها بهدف تشجيع عودة المتمردين الذين يعلنون نبذهم للإرهاب الدولي واستخدام القوة ضد النظام الشرعي، إلى جانب إعلان قبولهم واحترامهم للدستور الأفغاني؟ وما هي أفكار كل مرشح من المرشحين عن حكم بلادهم؟ مثلاً: كيف يمكن تطوير مجالس المحافظات المحلية، بحيث تكون معبرة تعبيراً حقيقياً عن أصوات الناخبين؟ ثم كيف للمجتمع الدولي أن يقيم علاقة شراكة أفضل مع أفغانستان بهدف توطيد السلم والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتقدم؟ وتجدر الإشارة إلى أن الرئيس أوباما كان قد أعلن في شهر مارس الماضي استراتيجية أميركية جديدة، تضمنت التزام المواطنين الأميركيين رجالاً ونساء، مدنيين وعسكريين تجاه أفغانستان. إلى جانب ذلك الالتزام خصصت الإدارة الجديدة مساعدات مالية كبيرة بهدف تسريع عملية التنمية وإعادة الإعمار في أفغانستان. وسوف نواصل تعاوننا مع الإدارة الأفغانية المقبلة لتحقيق جملة الأهداف التالية: تدريب وبناء وحدات كافية من قوات الجيش الوطني الأفغاني وقوات الشرطة، دعم وبناء نظم إدارية فعالة، بما فيها تأهيل الكوادر البشرية العاملة فيها، مساعدة السلطات الأفغانية في جهود محاربة الفساد، توفير الدعم المالي للمؤسسات الأفغانية الرئيسية، دعم التنمية الزراعية، التصدي لقضايا السجن والاعتقال، دعم جهود المصالحة الوطنية التي تقودها أفغانستان، إلى جانب معالجة أخطاء وانحرافات التعاقد في أفغانستان. وبالطبع، فإنه يلزم خضوع الطرفين الأفغاني والأميركي -أو الدولي عموماً- للمحاسبة والمساءلة عن الأداء. هذا ويتطلع المجتمع الدولي كافة إلى تعزيز مشاركته مع أي قيادة أفغانية ينتخبها الشعب، مدفوعاً في ذلك بروح جديدة أكثر حماساً وحيوية للتعاون مع أفغانستان. عليه، فليس الأفغان وحدهم من يحتاجون إلى معرفة برامج وأهداف المرشحين، بل نحتاج نحن أعضاء الأسرة الدولية لمعرفة هذه الأهداف والخطط قبل حلول موعد الانتخابات. وتمثل الولايات المتحدة الأميركية أمة واحدة بين ما يزيد على 40 دولة من الدول الأعضاء وغير الأعضاء في حلف \"الناتو\"، التي وقفت إلى جانب الحكومة والشعب الأفغانيين. وخلال سنوات الحرب هذا فقدنا بناتنا وأولادنا مثلما فعل الأفغان، وقدمنا لهم مساعدات اقتصادية تنموية كبيرة رغم صعوبة الظروف الاقتصادية التي مرت بها بلادنا والعالم كله. ولا تزال بلادنا على التزامها إزاء أفغانستان وشعبها، متى ما كانت المصالح مشتركة بيننا، وكذلك الالتزام متبادل بين طرفينا. وسوف نلتزم جانب الحياد التام فيما يتعلق باختيار الرئيس الأفغاني الجديد. غير أن من مصلحتنا جميعاً بالتأكيد -أفغان وأميركيين- توافر الشفافية والوضوح التامين حول السياسات المتوقع تبنيها من قبل الإدارة الأفغانية المقبلة. ففي العشرين من الشهر الحالي، سوف يتكبد الكثير من الأفغان مشاق التنقل والسفر من مناطق نائية -وربما يواجه بعضهم التهديد بالقتل- بهدف الإدلاء بأصواتهم. هذه هي التضحية الغالية التي تؤهلهم وتمنحهم حق معرفة الخطط والبرامج التي يدعو لها المرشحون، خلال الأسبوعين المتبقيين من حلول موعد الاقتراع. ومثلهم يحق لنا نحن أعضاء الأسرة الدولية معرفة البرامج والخطط نفسها. صحيح أن المخاطر المحيطة بالعملية الانتخابية لا تزال كبيرة، إلا أن الفرص المتاحة لنا جميعاً تظل كبيرة هي الأخرى. وعلى المجتمع الدولي الإسراع بإقامة شراكة تعاون قوي مع أفغانستان، عقب انتهاء مراسم تنصيب رئيسها الجديد. فلا وقت لنا نضيعه من أجل بدء العمل المشترك الساعي إلى تحقيق السلام والعدل والرخاء الاقتصادي، فضلاً عن تحقيق التفاهم الإقليمي. إنها فرصة ثمينة للحوار الجاد وصنع القرارات المصيرية الصائبة. كارل دبليو. إيكنبري ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ سفير أميركا لدى أفغانستان، والقائد السابق للقوات الدولية في أفغانستان. ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\"