أصبحت كلمة هيروشيما من مفردات القاموس الإنساني، ولو بعث أحد القدماء من مرقده وسئل: هل سمعت بالكلمة؟ لهز رأسه نفياً وتعجباً؟ ولو بعث إنسان مستقدم من المستقبل بعد عشرة آلاف سنة لهز رأسه وقال: وهل تغيب هذه الكلمة عن ضمير حي! سيبقى يوم 6 أغسطس 1945م مفترق طريق تاريخي حاسم. وثمة خمس مؤشرات كما نرى: فكونها مفترق طريق بين الشر والخير، فقد مضى الجنس البشري يكيد بعضه بعضاً، ويستعبد بعضه بعضاً، فكانت هيروشيما إعلاناً لحقيقة أن القوة وصلت إلى الوضع الذي فشلت فيه. أما أنه فراق القوة والعلم، فقد اتضح ذلك منذ اللحظات الأولى لحريق هيروشيما، حيث جاءت القوة من العلم لكن العلم حكم على القوة بالإعدام، فمن طور الفكرة النظرية في علاقة الطاقة بالمادة كان العالم آينشتاين، ومن ركب السلاح النووي تركيباً وبطريقتين مختلفتين، اليورانيوم 235 والبلوتونيوم 239 كان روبرت أوبنهايمر. أما أنها كانت فراقاً بين العقل والعضل، فقد أدرك البشر مع تصاعد الفطر النووي خمسة كيلومترات، أن هذه الطاقة الجديدة ولادة لعمل العقل البشري الجمعي، وأن عضلات الإنسان نكسة حيوانية. وهيروشيما أعلنت أن أسمى ما في الإنسان هو روحه وعقله المتألق. أما أنها فاصل بين الكفر والفكر، فلأنها تعميق فلسفي لمعنى الكفر والإيمان، من زاوية الإيمان بالله والإنسان المصطفى لخلافة ربه في الأرض، فهنا لم ترَ الملائكة صورة أوضح للكفر من سفك الدماء، ولذا كانت تجربة القنبلة النووية إيذاناً بأن عهد سفك الدماء في طريقه إلى الانكماش، والمراهنة في إيقاف الحروب لن يأتي من مجلس الأمن الدولي، فهو مجلس ولد لخدمة الأقوياء، والرهان هو على الاتحاد الأوربي الذي قام بالعدل، ولعله يلتهم حوض البحر المتوسط كله، خلال القرن القادم، فندخل الديمقراطية ونخرج من ظلمات الديكتاتورية التي أناخت بكلكلها وهلك هنالك المبطلون. أما أنها كانت بشيراً للسلم نذيراً للمجرمين الذين يستعبدون رقاب الناس بالسلاح والنار، فهو أدعى للعجب، وإلا كيف نفهم أن بني إسرائيل يعبدون العجل النووي بعد السامري، وعقلية هرمز وداريوس تنبت من رحم الجمهورية الإسلامية فيضاهون عمل بني إسرائيل في صناعة الصنم النووي؟ يذكر فؤاد زكريا في كتابه \"خطاب إلى العقل العربي\"، أمرين على غاية من الطرافة، أن السلاح النووي سلاح ليس للاستعمال مع كلفته الباهظة، والحرص على صناعة سلاح لن يستخدم، وحتى الرؤوس النووية لا بد من إعطائها جرعة بوستر مثل لقاحات الأمراض من مادة التريتوم والدويتيروم، من مشتقات الهيدروجين! لماذا إذن تبني إيران هذه الكائنات المشوهة، بينما تمضي ديناصورات القوة إلى اتفاقيات ستارت واحد واثنين للتخلص من السلاح النووي؟ كيف نفهم تناقض العالم؟ الجواب أن السلاح النووي صنم، والقوة باطل و\"قبض الريح\"، ومؤسسة الحرب ماتت، وشمس النبوة سطعت، والكعبة ستمتد وتتمدد لتحول الكرة الأرضية كلها إلى كعبة كبرى، والأشهر الحرم ستطول، والتاريخ سيسير قدماً، والزبد يذهب جفاء. علينا أن لا نستعجل، فالحضارة لم تبدأ إلا منذ ستة آلاف سنة، مقابل جولان الإنسان في الأرض منذ ستة ملايين سنة يطارد الوحوش وتطارده. \"ويستنبئونك أحق هو؟ قل إي وربي إنه لحق وما أنتم بمعجزين\"