تحظى السياسة الخارجيّة لدولة الإمارات العربية المتحدة بالتقدير على المستوى الدولي، ليس لأنها تدعم الأمن والسلام على المستويين الإقليمي والعالمي، وتبتعد عن دائرة الصراعات والتوترات فقط، وإنما لأنها تدعم عملية التنمية في الداخل أيضاً، ولذلك فإنّها تعمل على أن تنعكس تحركاتها على الساحة الدولية وعلاقاتها الطيبة مع دول العالم المختلفة، إيجاباً على المواطن الإماراتي في الداخل، من خلال الاطّلاع على تجارب التنمية الناجحة في كل مكان، والاستفادة من هذه التجارب والدروس التي تقدّمها لرفع مستوى مواطنيها في المجالات كافة، وهذا ما يفسر هذا الانفتاح الإماراتي على العالم، شرقاً وغرباً، وتأكيد قيم التعاون والحوار في العلاقات الدولية بدلاً من توجّهات الصراع والصدام. هذه الفلسفة التي تنطلق منها السياسة الخارجية الإماراتية، التي وضع أسسها المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ويعمل صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة -حفظه الله- على تكريسها وتدعيمها وتطويرها، والتي تؤكّد أن السياسة الخارجية الفاعلة والناجحة هي تلك التي تخدم استراتيجيّة التنمية في الداخل، هي التي جعلت الإمارات واحداً من أهم النماذج الاقتصادية والتنموية الناجحة، ليس على مستوى منطقة الشرق الأوسط فحسب، بل على مستوى العالم أجمع، لهذا كان منطقياً أن تختار مجلة "نيوزويك" صاحب السمو رئيس الدولة شخصية عام 2009، وتشير بصفة لافتة للنظر، في معرض تفسيرها هذا الاختيار، إلى دوره البارز في مواجهة تداعيات "الأزمة المالية العالمية"، ونجاحه في الحدّ من تأثيراتها، في حين كان العالم من حولنا مرتبكاً في تعاطيه مع تداعيات الأزمة وتأثيراتها. الأمر الذي لا شكّ فيه أن رشد التحرك والتصرف الذي يميّز السلوك الخارجي للإمارات، والحرص على الانفتاح على دول العالم كلّها وتدعيم مبادئ الحوار والتفاهم والصداقة معها، مثّلا دعماً قوياً لسياستها الداخلية وخططها التنموية المختلفة، وبفضل ذلك كله استطاعت دولة الإمارات أن تحتل موقعاً دولياً متقدماً في خريطة الاستثمار العالمي، حيث لم تقتصر إسهاماتها الاستثمارية على التوظيف الكفء والواعي لفوائض الإيرادات النفطية في مشروعات خارج البلاد عبر امتلاك حصص في شركات عالمية وقطاعات اقتصادية مهمّة، إذ تعدّى الأمر ذلك إلى استقطاب عدد كبير من مؤسسات الاستثمار العالمية لإقامة مشروعات ضخمة في أنحاء البلاد، مستفيدة من السمعة العالمية المشرّفة، والتاريخ الاستثماري الإيجابي، والمكانة الاقتصادية البارزة التي حصلت عليها وجاءت نتاج خطط طموح، وبرامج متدرّجة، امتدت على مدى عقود، وشهدت زخماً متصاعداً في السنوات القليلة الماضية، لتنقل الاقتصاد الإماراتي في قفزات هائلة، وتختصر مراحل زمنية كبيرة، في سعي الدولة إلى شغل موقع مؤثر في مصافّ البيئات الاستثمارية الجاذبة والمميزة، بل أصبحت بالفعل مركزاً مالياً ومصرفياً رائداً لدول العالم أجمع. بموازاة ذلك، حققت الدبلوماسية الإماراتية العديد من الإنجازات التي تصبّ في خدمة عملية التنمية، كان أبرزها نجاحها، مؤخراً، في الفوز باستضافة مقر "الوكالة الدولية للطاقة المتجددة" (إيرينا) في أبوظبي الشهر الماضي، فهذا الإنجاز هو ترجمة لتقدير العالم لسياسة الدولة والتوجّهات الحكيمة لقيادتها الرشيدة التي جلبت لها احترام الجميع، وتعبير عن الثقة الدولية بتوجّهات الإمارات في مجال الطاقة المتجددة وقدرتها على استضافة مقر "إيرينا" بكفاءة عالية، ومساهمتها في رفع مستوى الوعي بأهمية هذا النوع من الطاقة من خلال مشروعاتها وخططها الرائدة في هذا الشأن، وفي مقدّمتها مشروع مدينة "مصدر"، التي تعدّ المدينة الوحيدة على المستوى العالمي الخالية من الانبعاثات الكربونية، وهذا لا شكّ في أنه سينعكس إيجاباً على خطط التنمية في الداخل، خاصة إذا ما تم الأخذ في الاعتبار أن الاستثمار في الطاقة المتجدّدة هو توجه عالمي تسعى إليه معظم دول العالم. سياسة الإمارات الخارجية الحكيمة، ودبلوماسيتها النشطة، أصبحتا توفّران سياجاً يدعم ويحمي تقدّمها وتنميتها في الداخل، بما تهيئانه من ظروف مناسبة للعمل والإنجاز والتقدّم، وبما تنسجانه من خيوط تعاون وصداقه وتفاهم مع دول العالم المختلفة، وبما تبنيانه من ثقة باستقرارها وأمنها، وصدقيّة لسياساتها وخططها واستراتيجياتها. ــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.