من المفترض أن تبدأ الولاية الرئاسية الثانية للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد اعتباراً من يوم غدٍ الأربعاء. ولكن السؤال الرئيسي الآن: هل في استطاعته أن يدير بلاده بعد التطورات الأخيرة؟ والذي يدعونا لإثارة هذا السؤال هو تصاعد حدة المعارضة القوية التي يواجهها من قبل المحتجين والمتظاهرين في الشوارع العامة، إضافة إلى قوة المعارضة الداخلية. ومع حالة الاختمار التي نرقب فصولها وتفاصيلها اليوم في طهران، فهل يمكن ليد السلطة أن تطفئ نيران الاحتجاج وجموحه، أم أننا بتنا على شفا اضطرابات جديدة مثل تلك التي اندلعت فيها خلال العامين 78-79؟ في محاولة الإجابة عن هذا السؤال، يعتقد بعض المراقبين والمحللين لتطورات الوضع الإيراني، أنه ربما يرى المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، أن الدعوة لإجراء انتخابات رئاسية جديدة -على رغم ما في هذا التنازل من إهانة مؤلمة بالنسبة له ولمؤيديه المتشددين- ربما تكون المخرج الوحيد الممكن للبلاد مما أصابها منذ الانتخابات التي جرت في الثاني عشر من يونيو المنصرم. مما لا يثير العجب ولا الدهشة بالطبع أن يأمل بعض معارضي النظام بالخارج، ومن بينهم الرئيس الإيراني السابق أبو الحسن بني صدر -الذي يقيم حالياً في فرنسا- في تغيير الوضع القائم. يذكر أن بني صدر -الذي كان يعتقد أنه النجل السياسي لمؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية الخميني- يعتبر أول رئيس إيراني منتخب ديمقراطياً. إلا أن الخميني عزله من منصبه السياسي بسبب معارضته للحرب الإيرانية-العراقية، ففر من طهران منذ عام 1981. أما أعضاء عائلته ومؤيدوه المعروفون، فقد نالوا نصيبهم من القتل والتعذيب على يد قوات الحرس الثوري، التي تعد القوة الضاربة الرئيسية في إيران اليوم أكثر من أي وقت مضى. يذكر أن \\\\\\\"بني صدر\\\\\\\" كتب مقالاً، تنبأ فيه بـ\\\\\\\"اندلاع ثورة شعبية واسعة في إيران، فيما لو واصل المتظاهرون حركة احتجاجاتهم هذه. فذلك هو التطور المتوقع للانتفاضة الشعبية الجارية الآن. وفيما لو حدث تطور كهذا، فسوف يصبح ممكناً غرس الديمقراطية واقعياً وفعلياً هناك. وتشير كل المؤشرات على عزم الإيرانيين على السير قدماً بانتفاضتهم الشعبية\\\\\\\". وربما كان التحليل ضرباً من ضروب التمني والتعبير عن الرغبات السياسية لا أكثر. صحيح أن شرعية النظام القائم ربما تتضرر، إلا أن دفاعاته الأمنية تظل قوية كما هي. والحاصل أن هذا التصاعد السياسي الجاري في إيران، يحظى بمشاهدة ومراقبة الجزء الغالب من العالم. وفي ذلك أخبار سيئة للرئيس الأميركي، الذي كان يأمل في استقطاب إيران لسلسة من المفاوضات الواسعة الشاملة. وكان هدف أوباما وضع حد لسجال 30 عاماً من العداء المتصل بين واشنطن وطهران، إلى جانب الحد من الطموحات العسكرية النووية الإيرانية أياً كانت، بما يفتح الطريق أمام تسوية سلمية شاملة للنزاع الإسرائيلي- الفلسطيني. ولكن طالما أصبح النظام الآن في موقف من ينازع من الحفاظ على مصيره السياسي، فإنه لم يعد قادراً على مصافحة تلك اليد التي مدها إليه أوباما. وفي ذلك تقويض لعنصر رئيسي في استراتيجية أوباما الشرق أوسطية. فأوباما يواجه ضغوطاً متصاعدة من قبل إسرائيل وحلفائها في واشنطن من أجل تحديد موعد لبدء الحوار مع طهران. وفي الاتجاه نفسه يضغط مناصرو إسرائيل في الكونجرس على إدارة أوباما كي تحدد موعداً لتلك المحادثات، شريطة ألا يتجاوز شهرين من الآن. وفيما لو تعنتت طهران، فسوف يطالب هؤلاء بأن تخطو أميركا نحو فرض عقوبات مشددة عليها، بما فيها احتمال فرض عقوبات على الشركات التي تبيع منتجات النفط المصفاة لإيران. وفي الوقت نفسه، تنعقد جلسات الاستماع بمجلس الشيوخ لإجازة \\\\\\\"قانون تفعيل العقوبات المفروضة على إيران\\\\\\\". وبموجب هذا القانون، سوف تعاقب الشركات التي تربطها علاقات تجارية مع إيران بنزع أرصدتها. يذكر أن منظمة \\\\\\\"إيباك\\\\\\\" التي تمثل أداة الضغط الرئيسية لصالح إسرائيل في الولايات المتحدة، وضعت قانون العقوبات الإيرانية في مقدمة أولوياتها التشريعية. كما يتوقع توافد جميع القادة اليهود في مختلف الولايات المتحدة الأميركية إلى واشنطن في العاشر من سبتمبر المقبل، بهدف تنظيم أقوى حملة مضادة لطهران، في حال مشاركتها في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تعقد في سبتمبر المقبل. وتشمل الحملة تنظيم مظاهرة قوية خارج مباني الأمم المتحدة في نيويورك. ليس ذلك فحسب، بل صعّدت إسرائيل وحلفاؤها حملة دولية استهدفت إثارة الفزع العالمي من طهران وتصوير برنامجها النووي على أنه يمثل تهديداً أمنياً خطيراً للعالم كله. والحقيقة أن إسرائيل ترى في طهران منافساً عسكرياً مرعباً لها في المنطقة لا أكثر. ففيما لو مضت إيران في برامج تخصيب اليورانيوم، وتمكنت فعلاً من تطوير قنبلتها النووية، فإن في ذلك ما يضع حداً لهيمنة إسرائيل عسكرياً على المنطقة. ومما يخطف الأبصار في إيران اليوم، أنه وبعيداً عن صورة ذلك \\\"البعبع\\\" المخيف الذي ينذر العالم كله بخطر الموت والدمار -كما تقول إسرائيل- أن العالم كله بدأ ينظر إلى شعبها على أنه يتحرق شوقاً للحرية. يذكر أن \\\"جون بولتون\\\" صقر \\\"المحافظين الجدد\\\" -الذي عمل سفيراً سابقاً لأميركا لدى الأمم المتحدة خلال الفترة الممتدة بين شهر أغسطس من عام 2005- ديسمبر 2006، والذي لم يتراجع قيد أنملة من تشدده الأيديولوجي- شن هجوماً عنيفاً على مساعي أوباما الرامية للتفاوض مع طهران. بديلاً لخط التفاوض هذا، حاول جون بولتون، بل عمل على حث إسرائيل ودفعها دفعاً إلى توجيه ضربة عسكرية لإيران. جاء ذلك في مقال له نشر في الثاني من يوليو المنصرم بصحيفة \\\\\\\"واشنطن بوست\\\\\\\" قال فيه: \\\\\\\"مع عدم وجود خيار تغيير النظام في الوقت الحالي، يعتبر قرار إسرائيل استخدام القوة ضد إيران، أكثر سهولة وإلحاحاً. فلما لم تكن لإدارة أوباما استراتيجية واضحة إزاء إيران، فلا شيء يمكن توقعه في حال عدم تحرك إسرائيل عسكرياً سوى إيران النووية\\\\\\\". ولا يزال مثل هذا الجنون حاضراً في المشهد السياسي الأميركي، بينما لا تزال الصحف تفرد صفحاتها لنشره. غير أن على المسؤولين الإيرانيين مد أبصارهم أبعد من حدود انشغالهم بخلافاتهم وصراعاتهم الداخلية، كي ينظروا إلى الخيار الدبلوماسي الذي طرحه عليهم أوباما.