شكلت عودة بطل سباق الدرجات الأميركي \"لانس أرمسترونج\" إلى \"دورة فرنسا لسباق الدراجات\"، الذي يعتبر ثالث أكبر حدث رياضي في العالم بعد بطولة كأس العالم لكرة القدم والألعاب الأولمبية مناسبة أخرى للحديث عن البطل المثير للجدل وفرصة أيضاً لتوضيح بعض الحقائق التي غالباً ما تضيع في حمأة التغطية الإعلامية وانجرافها أحياناً وراء العواطف. فقد بدأ \"لانس أرمسترونج\" مشواره الرياضي المميز في رياضة ركوب الدراجات منذ عام 1993 عندما أحرز لقب بطل العالم في سباق الدراجات ثم احتل الترتيب التاسع عالمياً في بطولة العالم لعام 1996، لكنه أوقف مسيرته الرياضية بعدها، رغم نجاحاته المتوالية، ومستقبله الواعد بعدما شخص لديه مرض السرطان، غير أن المرض الخبيث لم ينجح في النيل منه، وبعد صراع مرير معه تمكن من الخروج معافى من الورم. وفي الوقت الذي اعتقد فيه المراقبون أن رجوعه إلى ساحة السباق باتت مستبعدة لابتعاده عنها فترة طويلة ولتداعيات المرض التي قد تعيق عودته إلى المضمار، وقع عقداً احترافياً مع أحد الفرق الأميركية لركوب الدراجات في العام 1998، وبالموازاة مع ذلك، أطلق مؤسسة خيرية لمحاربة مرض السرطان ومساعدة المصابين على تخطي الصدمة مستلهماً تجربته الشخصية مع الورم الخبيث وقهره في النهاية. وكانت الانطلاقة الحقيقة بعد المرض والعودة الظافرة إلى مضمار السباق في \" دورة فرنسا لسباق الدراجات\" للعام 1999، حيث فاز ببطولته الأولى لتكر السبحة بعد ذلك سبع مرات، نجح خلالها في انتزاع سبع بطولات متتالية لـ\"لحاق فرنسا\" الشهير، والتي كانت آخرها في العام 2005 ليتوقف بعض الوقت قبل أن يطل من جديد على اللحاق، الذي بات من وجوهه المألوفة، للمشاركة في دورته لهذه السنة. لكن هل هذا كل شيء عن البطل المعجزة الذي سجل اسمه من ذهب في تاريخ رياضة ركوب الدرجات؟ بالطبع لم تنته القصة عند هذا الحد، إذ بموازاة صعوده إلى القمة صدر كتاب مثير للجدل للكاتبين \"بيير باليستر\" و\"ديفيد وولش\" بعنوان \"السباق القذر\"، كشفا فيه أن رجوع \"أرمسترونج\" إلى حلبة السباق\" بعد غياب ليس بالقصير وبعد إحرازه على بطولة \"دورة فرنسا\" لسبع مرات على التوالي، إنما جاء لأسباب سياسية واقتصادية، حيث زعم المؤلفان أن الرياضي يسعى إلى ترشيح نفسه لانتخابات حاكم ولاية تكساس بحلول عام 2014، ولمحا أيضاً إلى أن صراعه مع مرض السرطان، لم يكن من دون فائدة طالما كان يتقاضى عن كل محاضرة يلقيها حول تجربته الشخصية مع المرض 200 ألف دولار، وهو المبلغ الذي قال الكاتبان إنه يحتفظ به لنفسه ولا يضخه في المؤسسة التي أنشأها لمحاربة السرطان. والأكثر من ذلك أن الرياضي الذي طبقت شهرته الآفاق كان على الدوام محط شكوك وشبهات كثيرة تحوم حول تعاطيه المنشطات، فخلال انتصاره الأول كشف الفحص أنه تعاطى المنشطات لكنه استفاد من شهادة طبية كان قد حصل عليها بعد السباق برأت ساحته، وفي كتاب صدر في عام 2004 بعنوان \"أرمسترونج: أسرار\"، أفصح عن شكوكه في مدلكته السابقة وزملائه في الفريق، ملمحاً إلى احتمال توريطه في تناول المنشطات دون علم منه. وفي تحقيق صحفي نشرته جريدة \"ليكيب\" الفرنسية في 23 أغسطس 2005، كشفت الصحيفة أن ست عينات من تحليلات البول أثبتت أن \"أرمسترونج\" تناول المنشطات، لكن الرياضي أنكر على الدوام أي تعاطٍ للمنشطات وعزا ما تردده الصحافة إلى مشاعر الحسد التي يكنها له البعض، مشيراً إلى أنه طيلة مشواره الرياضي لم تستطع أية هيئة رياضية إثبات أي من الادعاءات التي تحوم حوله. لكن الشكوك التي تطارده لم تحل دون تمتعه بشعبية طاغية في الولايات المتحدة بسبب ملحمته ضد السرطان وتغلبه عليه، وهو المرض الذي يقضي في غالب الأحيان على المصابين، بحيث تحول إلى نموذج ومثال يقتدى به في مدى صلابته وقوة شكيمته اللتين مكنتاه من كسر شوكه المرض القاتل، وهو استطاع أيضاً نسج علاقة متينة مع الرئيس السابق جورج بوش الذي يشاركه في الانحدار من ولاية تكساس. ولئن كان \"أرمسترونج\" يحظى بكل هذا الاحتفاء في الولايات المتحدة بسبب تغلبه على المرض، وليس بسبب انتصاراته المتوالية في سباق الدراجات التي لا تعتبر رياضة رئيسية في أميركا، فإنه على العكس من ذلك يبقى بعيداً عن هذا الاحتفاء في أوروبا وتحديداً في فرنسا بالنظر إلى شخصيته المتعالية، والتي تصل أحياناً إلى درجة الغطرسة، فبالنسبة للأوربيين لم يُنظر إليه أبداً كشخص محبوب، أو يتصف بسمات إنسانية تجعله قريباً إلى قلوبهم، كما هو الأمر عادة بالنسبة لنجوم الرياضة. ولعل صعوده المدوي وغير المفهوم وإحرازه لبطولات في رياضة، تتطلب طاقة تحمل كبيرة ساهم في تغذية الشكوك حول تعاطيه المنشطات، فضلاً عن علاقاته الملتبسة مع فرنسا التي يرى الكثيرون أنه حقق مجده على أرضها، لا سيما بعد عتبه الدائم على الفرنسيين من أنهم يضعون له العصي في العجلات، ويسعون إلى ضرب مسيرته الرياضية لا لشيء إلا لأنهم مناهضون لأميركا، خاصة بعد تكشف علاقته القريبة مع بوش المكروه على نطاق واسع في أوروبا. ومع ذلك، يبدو أن \"أرمسترونج\" قد نسي الاستقبال الجيد الذي خصته به الصحافة الفرنسية وامتناعها عن طرح أسئلة محرجة حول مسألة تعاطيه المنشطات، كما أن تذرعه بمناهضة أميركا لتفسير شعبيته المتدنية لدى الأوروبيين لا يساعدنا في فهم العاطفة الكبيرة، التي يكنها الفرنسيون لمواطنه وزميله في الرياضة نفسها \"جريج ليموند\"، الذي فاز هو الآخر بدورة فرنسا لمرتين على التوالي، بل إن الفرنسيين صفقوا له بحرارة حتى عندما تقدم على المتسابق الفرنسي \"لورو فينون\" بثماني ثوان قبل خط النهاية. فقد أُعجب الفرنسيون بأخلاق \"فينون\" وطابعه الإنساني، ناهيك عن أن هذا الأخير نفسه اشتكى من محاولات \"أرمسترونج\" المتكررة لاستفزازه وانتقاد أدائه، لذا فلا دخل للمشاعر المناهضة لأميركا في انتقاد الأوروبيين للرياضي \"أرمسترونج\"، أو الرئيس السابق بوش والدليل هو احتفاؤهم بأوباما \"وجريج ليموند\".