تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية في العالم العربي لهذا العام، كالعادة يعرض للعالم سواد وجه العالم العربي، خاصة في مجال انتهاك الحريات الفردية من اعتقال تعسفي إلى التعذيب في الأقبية والاحتجاز غير القانوني في كثير من الدول العربية. والسؤال: لماذا يسمح الإنسان العربي لنظامه السياسي باختراق المجال الخاص لحياته؟ أو كما يسأل البعض: لماذا لا تثور بعض الشعوب العربية ضد الذين ينتهكون حرياتها الشخصية والفكرية؟ أعتقد أن الإجابة تكمن في الحقيقة الأزلية والمتجسدة في مبدأ: "كما تدين، تُدان". فالإنسان العربي يقبل هذه الانتهاكات لحياته الخاصة؛ لأنه هو نفسه لا يمانع بانتهاك الحياة الخاصة لمن هم أضعف منه، من الزوجة والأطفال والمرؤوسين الذين يعملون تحت سلطته. وكما كتبت في كثير من المقالات، إن كل إنسان عربي يحمل في طيات نفسه بعض مؤثرات شخصية الديكتاتور؛ لأنه ينتمي إلى تراث يقبل بل ويبرر هذا السلوك. ولنعترف ونواجه الحقيقة، ألا يعطي الزوج لنفسه حق اختراق حياة زوجته الخاصة عند تسلمها لرسالة، أو يتجسس على مكالماتها الهاتفية في الجوال، أو قد يتابعها في مكان العمل؟ ألا يعطي الأب العربي لنفسه الحق في تأديب أبنائه بالضرب والتهديد والوعيد دون رادع، إن لم يعتبر ذلك حقاً له؟ ألا يمارس الأستاذ في المدرسة أو الجامعة سلطة ديكتاتورية ضد الطلبة الضعفاء والعاجزين عن مواجهته، فيعطي لنفسه الحق في منح الدرجات التي يريد لمن يريد؟ ألا يتعامل بعض كبار المسؤولين في العالم العربي مع مختلف الأمور في المؤسسات التي يرأسونها من منطلق اعتبارها "مزرعة" خاصة لهم، فلا يعير الواحد اللوائح والقوانين احتراماً ولا اهتماماً؟ مثل هؤلاء الأشخاص هم أنفسهم الذين يهيمنون على بعض المؤسسات الأمنية مع اختلاف الشخصيات، لكن جوهر الشخصية هو نفسه لم يتغير، وبالتالي يكون هذا السلوك غير الإنساني أمراً "طبيعياً" عند التعامل مع الآخرين. والأمر الثاني، أنه يوجد توجه فكري عام لدى الإنسان العربي بأن استخدام العصا هو "الحل" الأمثل لحسم أي مشكلة. ألا يقول العرب في أمثالهم: "العصا لمن عصى"؟ وهذا التوجه نتاج العقلية الديكتاتورية التي يقتات عليها الإنسان العربي. ولذلك ليس هناك حل لهذه المأساة العربية، التي ستلاحق الإنسان العربي ما دام يؤمن بالعقلية التسلطية. ويوم يقتنع الإنسان العربي بأهمية الديمقراطية وحقوق الإنسان للآخرين سيكون لكل حادث حديث. ولذلك يغدو من الطبيعي أن تعرض التقارير الدولية هذه الانتهاكات لحريات المواطنين في العالم العربي، دون القدرة على تقديم الحلول، ذلك أن هذه الحلول ينبغي أن تنبع من الداخل، وبما أن الداخل خرب ولله الحمد، فلن نتوقع في يوم ما نهاية لهذه المأساة في العالم العربي. وما دام التقرير الدولي قد ذكر أن المنطقة العربية تنفرد بوجود نصف اللاجئين على كوكب الأرض فيها، إضافة إلى ارتفاع نسبة الأميّة، فمن المستحيل تبعاً لذلك، أن يكون هناك أي أمل في أن ينهض الإنسان العربي اللاجئ الأميّ للدفاع عن كرامته، إذ ليس صحيحاً أن الكرامة قبل الخبز، فالجوع كافر وبذلك يكون الخبز قبل الكرامة التي ضاعت بسبب الجوع والفقر. وذكر ما سبق لا ينفي عن بعض الأنظمة العربية ولا يبرئها من تهمة اختراق المجال الخاص للإنسان العربي، لكن هذه الحالة ينطبق عليها المثل العربي: "قال، يا فرعون مين فرعنك..."، طبعاً من فرعن فرعون هو الإنسان العربي ذاته، الذي يرفض قبول الديمقراطية على المستوى الشخصي.