اتسع نطاق وباء انفلونزا الخنازير، بحيث لم يعد إيقافه اليوم ممكناً بعد أن أهدر العالم فرصته، ولم يعد الاحتواء ممكناً. فقد عُرقلت جهود احتواء الفيروس بسبب التقليل المستمر من شأن حجم وسرعة التهديد، وقامت \"أصوات العقل\" المؤثرة تلك التي كانت تثني منظمة الصحة العالمية عن إصدار تحذيرات أقوى، وأبكر بدفع الحكومات إلى التخاذل والتقاعس. اليوم وبينما يواصل الفيروس انتشاره في كل بقاع العالم ويزداد الوعي بخطورته، فإن الأصوات نفسها تلك تسعى إلى تكذيب الحاجة الضرورية إلى التحرك العاجل والسريع من أجل صياغة رد فعال وقوي. ولعل الأخطر من ذلك هو حجب التهديد بالتصريح المضلل، والمتمثل في أن بعض الأشخاص فقط ستظهر عليهم أعراض خطيرة وسيموتون. صحيح أن عدداً صغيراً جداً فقط من المصابين بالفيروس هم الذين من المرجح أن يلقوا حتفهم، حيث يبلغ معدل الوفيات العالمي حالياً 0.45 في المئة، أي أربعة أو خمسة في الألف، ولكن ماذا سيحدث عندما يرتفع عدد المصابين بالفيروس إلى الملايين؟ معدل الوفيات يمكن أن يظل منخفضاً، ولكن عدد الوفيات لن يبقى صغيراً. ولكن ما مدى خطورة التهديد؟ مؤخراً، أعلن وزير الصحة البريطاني أن الدراسات تشير إلى أن قرابة 65000 شخص في ذلك البلد، يمكن أن يلقوا حتفهم بسبب الإصابة بالفيروس. وعلى صعيد عالمي، تشير تقديرات أسوء السيناريوهات إلى إمكانية حدوث 6.5 مليون حالة وفاة، غير أنه لا بد من الإشارة إلى أن معدل الوفاة الحالي في بريطانيا، إضافة إلى المعدل الأكثر ارتفاعاً الذي أعطانا عدد 65000 حالة وفاة متوقعة هما أقل انخفاضاً من متوسط المعدل العالمي حالياً. ولحساب عدد الوفيات الممكنة على الصعيد العالمي، على المرء أن يقدِّر عدد الأشخاص الذين من المحتمل أن يصابوا بالعدوى (معدل الضغط على المستشفيات ووحدات العلاج) ونسبة الأشخاص الذين من المحتمل أن يموتوا من بينهم (معدل الوفاة). فحتى الآن، يبلغ معدل الهجوم الملاحَظ 30 في المئة، مما يعني أن شخصاً من أصل ثلاثة أشخاص يتعرضون للفيروس يصاب بالعدوى. وهو ما يشير إلى أن أكثر من ملياري شخص من المحتمل أن يصابوا بالعدوى بسبب موجات متتابعة من الوباء خلال الأشهر القليلة القادمة. وبناءً على معدل الوفاة العالمي الملاحَظ الذي يتراوح ما بين 0.45 و0.5 في المئة، فإن ما بين 9 ملايين و10 ملايين شخص يمكن أن يتوفوا. غير أن معدل الوفاة العالمي هذا يعكس الظروف الحالية، وبعض العوامل المساعدة يمكن أن تكون ساهمت في الإبقاء على الأرقام منخفضة حتى الآن. فأولاً، ظهر الفيروس في البداية بصفة عامة في البلدان المتقدمة للنصف الشمالي من العالم، والتي تعيش حالياً فصل الصيف، غير أنه بينما يمتد الوباء إلى النصف الجنوبي من الكرة الأرضية، فإننا بدأنا نرى حالات مثل الأرجنتين، حيث معدل الوفاة أعلى بخمس مرات، نحو 2.5 في المئة. ثانياً، في هذه المرحلة، تتعاطى الأنظمة الصحية مع أعداد منخفضة نسبياً من المرضى، رغم أنها في كثير من الحالات تواجه صعوبة في التعاطي مع عدد الحالات التي لديها، على محدوديتها. والحال أنه بينما تتحول القطرات إلى سيل، فإن قدرة هذه الأنظمة على تحديد الأشخاص الأكثر عرضة للخطر وتوفير أفضل العلاجات لهم قد تتقلص. ثم إن التجربة في البلدان الأكثر تأثراً حتى الآن تُظهر أن ليس عدد الوفيات فقط، وإنما معدل الوفاة أيضاً يزداد مع ازدياد عدد الحالات. ومما لا شك فيه أن تطوير لقاح سيساعد كثيراً على تقليص حالات العدوى. وإذا كان ذلك لن يقلص معدل الوفاة – على اعتبار أن اللقاح إجراء وقائي، وليس علاجاً – فإنه يُفترض أن يقلص عدد الوفيات. ومن المتوقع أن يكون اللقاح متاحاً بحلول سبتمبر المقبل بعد تسريع التجارب الإكلينيكية، غير أنه بالنظر إلى القدرات الإنتاجية الحالية، فإن توافره بكميات كافية من المنتظر أن يستغرق بضعة أشهر إضافية. بيد أن على المرء أن يتذكر أيضاً أننا سنكون في سباق لإنتاج وتوزيع اللقاح قبل أن يتحول الفيروس إلى شكل أكثر شراسة وضراوة (مع معدل وفاة أعلى) أو نوع مختلف يصبح اللقاح غير فعال في مواجهته. ومعلوم أن المعدل المرتفع للتحول هو السبب الذي يكمن وراء إنتاج اللقاح ضد الانفلونزا الموسمية كل سنة. وبالتالي، فإن اللقاح الذي تم تطويره هذا العام، قد لن يكون فعالاً حين تأتي الموجة الثانية من وباء انفلونزا الخنازير العام المقبل. ولذلك، فإنه من المهم مراقبة الفيروس عبر أخذ عينات دورية في مناطق مختلفة. لقد قالت الأمينة العامة لمنظمة الصحة العالمية \"مارجريت تشان\" في خطاب لها في الثاني من يوليو بالمكسيك: \"بين الحدين الأقصيين المتمثلين في الهلع والتخاذل، توجد الأرضية الصلبة للحذر واليقظة\". واللافت أن الكثيرين جداً في الحكومات يشددون على البقاء في أرضية التخاذل إلى أن يُدفعوا إلى الهلع بنقص استعدادهم، غير أنه كم من وفاة ينبغي أن تحدث كي يتحركوا ويفعلوا شيئاً منسقا ًوعقلانياً وفي وقته؟ خورخي مانسياس كاتب متخصص في الدراسة البيولوجية للنظام العصبي ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\"