ضمن رسائل البريد الإلكتروني المثيرة التي نتلقاها يومياً، تسلمتُ رسالة عن أهم 200 جامعة في العالم. وبدأت القائمة بجامعة هارفارد و جامعة \\\"يل\\\" بالولايات المتحدة، وجامعة كمبريدج، وجامعة أكسفورد في بريطانيا، وانتهت القائمة بجامعة أثينا في اليونان وجامعة تونتي (Un.Of Twente) بهولندا. فحاولت أن أجد اسم جامعة عربية ضمن القائمة ولم أجد! على رغم وجود جامعات من اليابان، والصين، وكوريا الجنوبية، وسويسرا، والهند، وإسرائيل، وهولندا، وهونج كونج، وتايلاند، والسويد، والأرجنتين، والبرازيل، وغيرها. تبادر إلى ذهني سؤال بسيط: لماذا لا توجد ولا جامعة عربية واحدة ضمن أبرز 200 جامعة في العالم؟! ونحن نسمع عن جامعات عربية عريقة يعود تاريخ بعضها إلى القرن الثامن الميلادي مثل (بيت الحكمة) في بغداد التي أُسست عام 830 ميلادية، وجامعة القرويين في فاس التي أُسست عام 859، وجامعة الأزهر بالقاهرة التي يعود تاريخ تأسيسها إلى عام 970 ميلادية، أي قبل أن تكتشف أميركا، أو يكون لأوروبا شأن في العالم. ذلك أن الجامعات الأوروبية لم تظهر إلا بعد 1200 ميلادية، مثل جامعة باريس التي أُسست عام 1211، وجامعة باليرمو الإيطالية التي أُسست عام 1221، وجامعة كمبريدج البريطانية التي أُسست عام 1232 ميلادية. وإذا ما كان الغرب قد قدم لنا علماء خدموا البشرية من كافة النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية والفنية والصناعية، فإن الحضارة العربية والإسلامية قدمت أيضاً أسماء كثيرة من العلماء مثل جابر بن حيان المتوفى حوالي (818 م) الذي استنبط حامض الكبريت وماء الذهب وماء الفضة، ووضع أسس علم الجبر. وكذلك أبو حنيفة الدينوري (867م) واضع علم النبات، ويعقوب الكندي (874م) الذي درس علم الفلك وقوانين السقوط والجاذبية، كما استنبط أهمية الموسيقى في علاج الأمراض النفسية، وهو مبحث يعتبر اليوم علماً جديداً ومتطوراً. وكذلك البيروني (1049م) الذي قاس محيط الأرض، وعلوم البحار، وسبق (جاليلو) في القول بدوران الأرض حول محورها بمئات السنين، وأيضاً ياقوت الحموي (1228م) الذي وضع \\\"معجم البلدان\\\"، وتحدث عن كروية الأرض، وقاس المسافات، وعرّف بأسماء البلدان الإسلامية وغيرها. ونلاحظ أن زخم العلماء العرب والمسلمين كان في القرن التاسع بصورة واضحة، على رغم أن القرون التالية حفلت بأسماء لعلماء عديدين. ولكن نعود لسؤالنا السابق: لماذا لم تُصنّف ولا جامعة عربية أو إسلامية من ضمن أهم وأقوى 200 جامعة في العالم؟! لا تقولوا السبب هو الصهيونية أو إسرائيل أو الاستعمار، فهذه مشاجب مكسورة، ولا يجوز لنا أن نتكئ عليها. علماً بأن هنالك 373 عاماً بين تأسيس جامعة القرويين في فاس وتأسيس جامعة كمبريدج في بريطانيا! والمفترض أن يتواصل تطور جامعاتنا العربية والإسلامية، ويزداد عدد طلابها، وتتطور إنجازاتها. تماماً كما هي الحال مع جامعة الأزهر التي أُنشئت قبل جامعة باريس بحوالي 241 عاماً! أين العلماء الذين درسوا في الجامعات العربية والإسلامية بدءاً من عام 1000 ميلادية؟! ولماذا لم نخرج علماء غير الذين برزوا في القرن التاسع؟! ثم أين العلماء العرب والمسلمون الذين تخرجوا في تلك الجامعات العريقة من عام 1500 ميلادية وحتى عام 2000 ميلادية؟! لقد برز لدينا عالمان عربيان منحا جائزة نوبل: نجيب محفوظ في الأدب، وأحمد زويل في العلوم وكلاهما من مصر. نعتقد أن ظروف العالم العربي والإسلامي منذ سقوط الدولة الأموية الثانية، وتراجع هيبة العلماء وتدهور البحث العلمي قد ساهمت بشكل أو بآخر في التدهور المذكور، وشملت تلك الظروف ما يلي: 1- الحروب والإغارات التي تمت في العالم العربي والإسلامي وتوالي الزعامات والانكسارات وقيام الدول الطائفية سواء في المغرب أم في المشرق. 2- عدم احتفاء الحكام بالعلماء والمبدعين، على عكس ما كان يجري في القرون المتقدمة. وصار أن أهملت الجامعات، وأهمل البحث العلمي، وتم تقريب رؤساء الجيوش بدلاً من العلماء والأدباء والمفكرين إلى بلاط الحكم. 3- شيوع حالة من السخط والانكفاء في أوساط العلماء، ولربما توجههم إلى أعمال أخرى من أجل كسب لقمة العيش؛ لأن ذلك كان أفضل لهم من الإقصاء في حضرة العلم. 4- سيطرة العقدية أو الأيديولوجية على بعض الجامعات العربية والإسلامية، مما أدى إلى شيوع أفكار جانحة ورجعية حاربت الفلسفة وعلم الجمال وعلم الفلك والموسيقى وغيرها من الفنون. وأدى هذا إلى خوف العلماء من الاقتراب من هذه المواضيع واقتصار دراساتهم على بحوث الفقه واللغة، وبعض السير الأدبية التي لم تكن ضمن \\\"المحاذير\\\" التي وضعها القائمون على الجامعات العربية والإسلامية، والذين كانوا يحيطون أنفسهم بمريدين لا يخالفونهم الرأي. 5- غياب حرية البحث العلمي، وحرية الرأي، وشيوع نظرية \\\"الهرطقة\\\" في القرون السابقة. تماماً كما ظهرت في القرون اللاحقة نظريات التكفير وإهدار الدماء وغيرها. وفي مناخ كهذا، يتردد العالِم والمُبدع في الجهر بما يتوصل إليه أو يبتكره خوفاً من القهر والعقاب. 6- عدم وجود صناعة مواتية تتلاءم مع الأفكار النظرية التي طرحها العلماء السابقون. فالعالم في الطب يحتاج إلى مختبرات وأدوية ومعامل، تخرج عمله من طبيعته اليدوية البدائية إلى (الماكينة)، أي إدخال الطب عالم (الميْكنة) وتحقيق إنتاج أفضل وأسرع وأكثر مقارنة بالعلم اليدوي، والشيء نفسه ينطبق على علوم الفلك والبحار والهندسة والفضاء. وإن كان البيروني في عام 1049، قد قاس محيط الأرض، وأكد دوران الأرض حول محورها، فإنه كان يفترض أن يأتي علماء بعده يحددون عمق المجرة ويصلون إلى القمر قبل الأميركيين. هذا إذا أخذنا بالتطور التاريخي لحياة الأشياء والإمكانات، لكن ظروف العالم العربي والإسلامي -المشار إليها- لم تكن لتسمح بذلك. 7- تقليدية أداء الجامعات العربية والإسلامية. ولنتحدث عن العصر الحديث! حيث يتولى أمر الجامعات أو الكليات -في بعض الظروف- بعض خريجي الجامعات العربية من الذين لا يقرأون ولا ينمون ثقافاتهم، بل قد تكون قائمة المراجع في رسائلهم العلمية هي آخر صفحة قرأوها. كما أنهم لا يتابعون التطور في مجال البحث العلمي أو يؤمنون بتلاقي الأفكار وقبول الآخر ولو كان من جنسٍ آخر. كما أن بعضهم تأتي به المقاربات الاجتماعية والسياسية والعقدية! والمشكلة تتجلى أيضاً في التحزبات وتدوير الأيديولوجيات، ومحاربة الأفكار النيرة، خصوصاً خريجي الجامعات الأوروبية والأميركية، الذين يلاقون حرباً شعواء من قبل بعض منسبي وخريجي الجامعات العربية. ذلك أن ثقافة \\\"التقليدية\\\" مازالت حاضرة في أذهان بعض القائمين على الجامعات أو كلياتها المتخصصة. ولكونهم يخافون على مناصبهم من أصحاب الرؤى المستنيرة من خريجي الجامعات الحية في العالم، قد نراهم يكيدون لخصومهم -وما هم بخصومهم- ويلجأون إلى إقحام الدين في هذه الحرب، والاتهام بالليبرالية أو العلمانية، حتى يتم قذف خصومهم خارج أسوار الجامعة ليحلو لهم البقاء وتفريخ أفكارهم على الطلبة. علماً بأن هدف الجامعة الأسمى هو تنوير عقول الطلبة بالجديد والمثير والحر، وهذا أصلح لبناء المجتمعات. وبعد، نعيد السؤال: لماذا لا توجد ولا جامعة عربية أو إسلامية ضمن أهم 200 جامعة في العالم ؟! هل وضحت المسألة؟!