فيما ورد عن سيرة سير جوزيف -عضو برلماني سابق كان قد عين في منصب لورد أدميرال لقوات البحرية التابعة لملكة بريطانيا- أنه يذكر جيداً كيف تسنى له تحقيق النجاح الكبير بوصوله إلى تلك المناصب الرفيعة بقوله: "لطالما كنت أصوّت دائماً لصالح حزبي. فقد كانت تكفيني إشارة منه، كي أصوت لصالح ما يراه دون أن أتوقف لحظة واحدة للتفكير في صحة أو خطأ موقف الحزب". بهذه الصفة، يبدو سير جوزيف ملائماً للغاية للنظام السياسي الأميركي الذي تدفعه الانتماءات الحزبية، وعادة ما يطغى فيه الولاء الحزبي على اتخاذ القرارات الموضوعية المستقلة من قبل الأعضاء. ولنقدم بعض الأمثلة على هذه الحقيقة. فعند تصويت لجنة تابعة لمجلس الشيوخ على ترشيح "سونيا سوتومايور" للانضمام إلى عضوية المحكمة العليا، لم يصوت ضدها سوى جمهوري واحد بين بقية أعضاء اللجنة المنتمين إلى الحزب الجمهوري، رغم كفاءتها وقدراتها القضائية الكفيلة بإخراس توجيه أي انتقادات جدية لها خلال سيرتها المهنية القضائية الطويلة. وفي المقابل، لم يصوت ضدها ولا ديمقراطي واحد من أعضاء اللجنة، رغم تكرار "سوتومايور" القول إن الخلفية المهنية للقاضي هي التي تهم في اتخاذ القرار، وليس تمسكه الحرفي بسيادة القانون. وفيما يبدو أن هناك خطوطاً حزبية واجب اتباعها، وهذا ما قام به أعضاء لجنة مجلس الشيوخ المذكورة. وفي شهر يوليو المنصرم، حين أصبح على لجنة الرعاية الصحية والتعليم والعمل والمعاشات التابعة لمجلس الشيوخ، أن تكون أول من يصوت على تشريع جديد خاص بإصلاح نظام الرعاية الصحية، لم يكلف أي من أعضائها الديمقراطيين نفسه إثارة أي أسئلة لها صلة بعواقب التشريع، خاصة أنه تضمن برنامجاً تديره الحكومة، وهو ما كان كافياً بحد ذاته لإثارة كثير من الشكوك حوله والتردد في إجازته. وفي المقابل، لم يصوت لصالح مشروع القانون جمهوري واحد من أعضاء اللجنة؛ لأن أحدهم لم يفكر مطلقاً في أن يكون الوضع الحالي لنظام الرعاية الصحية الأميركي مبرراً لتمرير مشروع القانون. وفيما لو بنى المشرعون قرارات تصويتهم على أساس النظر إلى مخاوف قواعدهم الناخبة، ومن خلال نظرة كل واحد منهم إلى فلسفته الخاصة بشؤون الحكم، وفوق ذلك كله، النظر إلى كل تشريع حسب مزاياه وعيوبه، فقد كان الافتراض أن يمتنع واحد أو اثنان من الديمقراطيين عن التصويت لصالح مشروع القانون على أقل تقدير، بينما يقرر واحد أو اثنان من الجمهوريين التصويت لصالحه. لكننا لم نعد نعيش في هذا العالم السياسي المثالي للممارسة الحزبية. يذكر أن صحيفة "واشنطن بوست" نشرت تقريراً عن سجل تصويت مجلس الشيوخ بنهاية الجلسة رقم 110 للكونجرس، والتي انتهت في شهر يناير الماضي. وخلال العامين الماضيين، أجرى الكونجرس عدداً من الاقتراعات المهمة حول العراق وأفغانستان، وصدق على مليارات الدولارات لإنفاقها على أمور مختلفة، إلى جانب صراعه مع عدد من المسائل الشائكة المثيرة للجدل والخلاف. وفي المتوسط، جاء تصويت الأعضاء الديمقراطيين على أساس موقفهم الحزبي بنسبة 87.5 في المئة، مقابل نسبة مشابهة للجمهوريين هي80.7 في المئة. كما أشار التقرير إلى تصويت 44 من أعضاء مجلس الشيوخ لصالح حزبهم لما يزيد على 90 في المئة، بينما صوت 24 منهم على الأساس الحزبي نفسه لأكثر من 95 في المئة. إلى ذلك، صوت السيناتور جون ماكين -الذي كثيراً ما اختلف مع حزبه- لصالح الجمهوريين بنسبة 88 في المئة خلال الفترة نفسها! وحين أدليت بشهادتي أمام اللجنة القضائية التابعة لمجلس النواب ضد استغلال الرئيس السابق جورج بوش غير الدستوري لسلطة التوقيع الرئاسي على الوثائق، مع ملاحظة أن نص الدستور الأميركي يعطي الرئيس خيارين اثنين لا ثالث لهما: إما أن يوقع على مشروع قانون ليجعل منه قانوناً فيدرالياً سارياً، أو يمارس حق "الفيتو" ضده. غير أن إهمال مشروع قانون من قبل الرئيس، لا يقع ضمن ما نص عليه الدستور. لاحظت أنه لم ير ولا عضو جمهوري واحد من أعضاء اللجنة التي شهدت أمامها خطأً في ما قام به الرئيس. والغريب في الأمر أن الأعضاء ذاتهم اعترضوا على عدم مشروعية الفعل نفسه، عندما صدر فيما بعد عن الرئيس أوباما. وسبب الاكتشاف هنا، أن الأخير رئيس ديمقراطي وليس جمهورياً! وفي ذلك الوقت، كنت قد نظرت إلى مثل هذه الأحداث، على أنها تدل على مفارقة زملائي المحافظين لمبادئهم الحزبية. لكن تكشف لي فيما بعد أن الأمر أبعد من ذلك بكثير. فهي ليست سوى أمثلة إضافية متكررة على ممارسة أعضاء الكونجرس لعملية التصويت على المسودات التشريعية ومشروعات القرارات، على أساس وحدة الفريق الحزبي. ولعل مثل هذه الممارسات هي التي أخافت كلاً من المؤسسين جورج واشنطن وجورج ماديسون من تنامي الحزبية في بلادنا. يجب القول ختاماً إن الولاء الحزبي يعمل في كثير من الحالات على تقويض جوهر نظام الحكم النيابي، علماً بأن هذا النظام يعتمد على منح الثقة وتكليف أفراد من المجتمع بالقيام نيابة عن الآخرين بمهام التشريع ومراقبة السياسات التشريعية. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميكي إدواردز عضو سابق في قيادة الجمهوريين داخل الكونجرس، نائب رئيس "معهد آسبن" ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"