تخطو إمارة أبوظبي كلّ يوم خطوة جديدة نحو مزيد من النمو والتقدّم، وتحافظ على المستوى نفسه من الجهد والأداء والمثابرة للوصول إلى غاياتها التنموية، والسير قدماً في طريقها المستقبلي الذي رسمته لنفسها، والذي يمتدّ حتى عام 2030 في إطار رؤية اقتصادية شاملة، قائمة على بناء اقتصاد متين القواعد ومتنوّع المقومات. وتسعى إمارة أبوظبي إلى تنويع مداخيلها، والابتعاد عن القطاع النفطي، واستثمار الفوائض النفطية في بناء مقوّمات جديدة لاقتصادها، وضمن هذه التعهّدات فقد التزمت الإمارة توجيه نحو 20% من استثماراتها نحو القطاع السياحي خلال السنوات المقبلة، وهو القطاع ذو المقومات الواعدة والقادر على أن يلعب دوراً جوهرياً في توليد قوى جديدة تحفّز النمو والتنمية المستدامة للإمارة في طريقها نحو المستقبل. وفي هذا الإطار، فقد نجحت مجموعة "آبار للاستثمار" المملوكة لحكومة أبوظبي، الأسبوع الماضي، في الدخول في اتفاق شراكة استراتيجية مع شركة "فيرجن جالاكتيك"، وهي الشركة الأولى عالمياً في مجال السياحة الفضائية، وتستحوذ "آبار" بمقتضى هذه الشراكة على نحو 32% من أسهم "فيرجن"، في صفقة تبلغ قيمتها نحو 280 مليون دولار من إجمالي قيمة أصول "فيرجن" البالغة نحو 900 مليون دولار، وهذا الاتفاق سيمنح "آبار" الحقّ في استضافة البرامج الإقليمية للرحلات الفضائية لشركة "فيرجن"، سواء كانت هذه الرحلات بغرض السياحة أو البحث العلمي. وهذا الاتفاق بين الطرفين سيمنح القطاع السياحي في إمارة أبوظبي دفعة إيجابيّة جديدة، حيث إنه سيضيف إليه نوعاً جديداً من السياحة، وهو "السياحة الفضائية"، وهو ما يعدّ إنجازاً وخطوة من أهم خطوات التنويع السياحي في الإمارة، وفي الدولة كلّها، بل في منطقة الشرق الأوسط بمجملها، خاصة أن "السياحة الفضائية" هي نوع جديد من السياحة على مستوى العالم كلّه، ومن المتوقع بعد أن تؤتي هذه الصفقة ثمارها أن تكون إمارة أبوظبي نقطة جذب للسائحين الراغبين في السفر إلى الفضاء من جميع أنحاء العالم، وتصبح عاصمة سياحية عالمية، وهي صاحبة الخطوة الأولى في هذا المجال في منطقة الشرق الأوسط. كما تمثل الخطوة التي اتخذتها إمارة أبوظبي استمراراً لجهودها على طريق دعم البحث العلمي والتطوير التكنولوجي في المنطقة والعالم، فمن خلال هذه الشراكة ستتمكّن "آبار" من الحصول على الدعم الفني من "فيرجن" لبناء مطار فضائي في أبوظبي، ليكون مركزاً لإطلاق الأقمار الاصطناعيّة في المنطقة، وسيلحق به عدد من مراكز أبحاث الفضاء، وعند هذه النقطة ستكون أبوظبي مركزاً من أهم مراكز تركّز التكنولوجيا الدقيقة في المنطقة، وستكون في طليعة دول العالم في الثورة الصناعية المقبلة في مجال الفضاء. وسوف تتمكّن أبوظبي من خلال وجود هذا المركز الفضائي على أراضيها من الاستفادة من نتائج الأبحاث والتكنولوجيات المطبقة فيه، وتعميمها على القطاعات الاقتصادية الأخرى، مما سينعكس على مجمل الأداء الاقتصادي في الإمارة وفي الدولة كلّها، لتزداد إمكانات النمو للناتج المحلي الإجمالي للإمارة في ظل ارتفاع عائد هذا النوع الجديد من السياحة. كما أن هذا المركز سيكون من خلال برامجه التعليمية والتدريبية بمنزلة نقلة نوعية، وتغيير جوهري في نوعيّات المهارات وكفاءتها لدى الكوادر البشرية في الإمارة كلّها، بالإضافة إلى إمكانات توليد عدد كبير من فرص العمل الجديدة من حيث الكمّ والنوع، والتي ستكون جاذبة لأكثر الكوادر البشرية مهارة وتدريباً على مستوى العالم، مما سيعيد هيكلة سوق العمل في الإمارة بشكل كامل. وفي مجمل القول، فإن هذه الخطوة الجريئة لإمارة أبوظبي تمثل استكمالاً لمشوارها في مجال التنويع الاقتصادي، وبناءً على ما أنجزته على طريق الاستثمار في المجالات غير التقليدية، مثل الطاقة المتجدّدة وحماية البيئة، كما أنها تمثل شوطاً جديداً لها على طريق التحول إلى الاقتصاد المبني على المعرفة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.