مجموعة \"الاثنتين\" تهمِّش أوروبا... وبداية تصليب الموقف الأميركي إزاء إيران ------------- \"أزمة النقاب\" واحتمال منعه تشريعياً في فرنسا، وبزوغ مجموعة \"الاثنتين\" الاقتصادية، وملامح تغير في المقاربة الأميركية الراهنة تجاه طهران، موضوعات ثلاثة استقطبت اهتمام كُتاب افتتاحيات وصفحات رأي كبريات الصحف الفرنسية. جديد \"أزمة\" النقاب في فرنسا: صحيفة لوموند نشرت افتتاحية كشفت فيها حقيقة محدودية ظاهرة ارتداء البرقع أو النقاب في صفوف النساء المسلمات في فرنسا وندرتها بشكل كبير، وعلى نحو لا يستدعي أصلاً افتعال الأزمات والسجالات حولها. وهي حقيقة باتت الآن مدعمة بأرقام وإحصاءات صادرة عن الإدارة المركزية للاستخبارات الداخلية الفرنسية، التي أعدت تقريراً -للمفارقة والعجب- أكدت فيه أن العدد الكلي لمن يرتدين النقاب في فرنسا هو بالضبط 367 امرأة، أي ما نسبته امرأة واحدة من كل 90 ألفاً. وهي معلومة أكدها تقرير أمني آخر صدر بعد ذلك بأسبوع. ومن ثم يتبين أن ظاهرة سلوكية بهذه الدرجة من المحدودية والقلة لا تبرر كل ذلك الصخب السياسي والتشريعي الذي عرفه الربيع الماضي، والذي اقتضى تشكيل لجنة تحقيق برلمانية، بدعم من 65 نائباً من اليمين واليسار معاً، قيل إن هدفها دراسة إمكانية إصدار تشريع يمنع ارتداء البرقع أو النقاب في الفضاء العام، بل إن الرئيس ساركوزي نفسه تدخل علناً يوم 22 يونيو أمام البرلمان، مطلقاً حكمه المسبق والقاطع: \"أود قولها بوضوح: لا مرحباً بالبرقع على أراضي الجمهورية الفرنسية\". ولكن، بعد تواتر التقارير الأمنية الآن عن ضآلة الظاهرة، أخذ ذلك السجال المفتعل في الخفوت، وبدأت عملية تمييع للجنة التحقيق تلك، لتتحول إلى مجرد لجنة تقصي حقائق، وتعطى ستة أشهر لتقديم ما تتوصل إليه من تصورات. وفي هذا السياق، نبهت \"لوموند\" إلى عدم جدوى سن قانون مفصل على أقل من 400 شخص، متسائلة عما إذا كان ثمة أصلاً لزوم لإصدار تشريع آخر، من هذا القبيل؟ والإجابة طبعاً: لا. وفي افتتاحية ثانية كتبها أندريه شليكت في \"لالزاس\"، أكد بدوره هامشية الظاهرة ومجهريتها في الشارع الفرنسي مستشهداً بالتقرير المذكور الذي اعتبره صادراً عن جهات \"رسمية جداً\" في وزارة الداخلية، وإن كان الكاتب عموماً يؤيد أية تدابير تشريعية وعملية في هذا الاتجاه. بعد مجموعة G20 الاقتصادية، جاء دور G2: في افتتاحية لصحيفة لوفيغارو بعنوان \"بزوغ مجموعة الاثنتين\" نبه الكاتب بيير روسلين إلى أهمية الحوار الاستراتيجي الأميركي- الصيني الذي التأمت أعماله مؤخراً مؤكداً أنه يؤشر إلى بداية انعقاد شراكة بالغة الأهمية والحساسية بين القوة العظمى الحالية (أميركا) والمستقبلية (الصين)، خاصة أن ما ستتفق عليه هاتان القوتان سيتوقف عليه مستقبل بقية سكان الكوكب. وفي وقت يترنح فيه اقتصاد العالم وتوازناته على وقع أزمة مالية كبرى، وتتعدد الأطر الدولية الأخرى المشابهة مثل مجموعات الـ8، والـ14 والـ20، فإن بزوغ مجموعة الـ2 التي تضم أميركا والصين، قد يكون مؤشراً على أن ثمة رغبة مشتركة لديهما للعمل معاً، وبكيفية تحمل التحديات الدولية الراهنة على محمل الجد. بل إن هنالك إشارات مفاتيح يمكن تلمسها على هذا الطريق في كلمة الرئيس أوباما خلال جلسات الحوار الأميركي- الصيني، في واشنطن، حيث قال: \"إن علاقات الولايات المتحدة والصين سترسم ملامح القرن الحادي والعشرين، وهذا ما يجعلها أكثر أهمية من أية علاقات ثنائية أخرى عبر العالم\". ولأن الحاجة لأميركا، لذلك لا عجب أن تستضيف واشنطن هذه اللقاءات الثنائية، ولكنّ للصين أيضاً أولوياتها التنموية الداخلية التي قد لا تسمح لها بأن تخف لنجدة \"العم سام\" في ضائقته المالية الحالية. وإن كان تعاونها أيسر في ملفات أخرى كأن تتبع، ما يسميه الأميركيون \"سياسات مسؤولة\" تجاه كل من طهران وبيونج يانج. وحول الموضوع ذاته، نشرت \"لوموند\" افتتاحية أخرى بعنوان: \"مجموعة عشرين... أم مجموعة اثنتين؟\"، رصدت فيها الدلالات الكبيرة للحوار الأميركي- الصيني، لجهة تأكيد كونه تحولاً ذا شأن يستجد الآن في المشهد الجيوبوليتيكي الدولي، فبعد بزوغ مجموعة العشرين ومجموعة الأربعة المعروفة اختصاراً بـ\"بريك\" (البرازيل وروسيا والهند والصين) التي ظهرت في يونيو الماضي، ها هي مجموعة الاثنتين تعلن عن نفسها. وأول ما يمكن قوله بهذه المناسبة هو أن جمهورية الصين الشعبية إذ تحتفل الآن بذكرى تأسيسها تجد نفسها في قلب دائرة التأثير العالمية، فهي الدولة الوحيدة الممثلة في المجموعات الصاعدة الثلاث (مجموعات: الاثنتين، والأربعة، والعشرين). وفوق ذلك تعد مصائب العالم في الأزمة المالية فوائد بالنسبة للصين والبرازيل خاصة. وتنتهي الافتتاحية بإثارة سؤال: ألن يتكشف هذا الحوار الشامل الصيني- الأميركي، عن تهميش دولي حقيقي للاتحاد الأوروبي؟ ألا يدعو ظهور مجموعة الاثنتين هذه إلى دق أجراس الإنذار وتحفيز الهمم في بروكسل؟ أسباب تصليب الموقف الأميركي تجاه إيران: تحت هذا العنوان نشرت \"لوفيغارو\" تحليلاً لرينو جيرار كبير معلقيها السياسيين، رصد فيه ملامح ما اعتبره بداية تحول راهن في سياسة واشنطن الانفتاحية تجاه طهران، معدداً خمسة أسباب لذلك، الأولان منها مرتبطان بالنظام الإيراني نفسه: 1- أن النظام الإيراني لم يحرك ساكناً لاغتنام فرصة يد أوباما المبسوطة إليه، وعرضه إعادة تسليك إيران ودمجها في المشهد الدولي (بما في ذلك رفع كل العقوبات الدولية، وطي صفحة \"عقيدة بوش\" القائمة على فكرة \"تغيير الأنظمة\"، إضافة إلى إعادة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية العادية بين الطرفين)، وكل ذلك في مقابل تقديم ضمانات حول الطابع السلمي الموثوق لبرنامج إيران النووي. غير أن الرئيس الإيراني كان قد أعلن قبل انتخابات يونيو الماضي الرئاسية \"إغلاق\" ملف النقاش حول برنامج بلاده النووي، مظهراً بذلك عدم استعداد للاستجابة للتطلعات الأميركية. والحال أن إيران تريد الحصول على قنبلة نووية، حتى لو لم تعترف بذلك للعالم، يقول الكاتب. 2- كما فقد نظام الملالي بعض أوراقه بعد التجاذب الكبير الذي أعقب الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وما تبع ذلك من لغط متواصل واتهامات بالتزوير. وإلى جانب أثر ذلك على صدقية نظام طهران الخارجية نجمت عنه أيضاً شروخ وانقسامات في صفوفه الداخلية. وهذا ما يدعو لتصليب الموقف الأميركي تجاهه، إذ من المعروف أن تصليب المواقف أسهل بكثير ضد نظام يجد نفسه في موقف ضعف. 3- أن الإدارة الأميركية لا تستطيع لي ذراع إسرائيل مرتين، في الوقت نفسه، كأن تلزمها بوقف الاستيطان في الضفة الغربية، وتمنعها في الوقت نفسه من الاستعداد للاستجابة لتهديد وجودي مازال يتكرر في تصريحات الرئيس الإيراني، يقول الكاتب. 4- لقد أصبحت جهود وقف الانتشار النووي إحدى الأولويات، إن لم تكن على رأس الأجندة، في السياسة الخارجية الأميركية. وقد أفهمت الوزيرة كلينتون مؤخراً نظيريها الروسي والصيني أن زمن تقديم رمي الجزرات لكوريا الشمالية قد ولَّى. 5- وأخيراً، تكاثفت خلال الفترة الأخيرة الهجمات ضد الرئيس أوباما، داخل أميركا، حيث تنهال عليه تهم خصومه \"الجمهوريين\" بـ\"الضعف\" و\"السذاجة\" في سياساته الدولية. ومع ذلك يقول الكاتب، إن العرض الأميركي المطروح أمام إيران مازال قائماً، كما أكدت ذلك كلينتون في مقابلة مع \"بي بي سي\" مؤخراً، ولكن على ملالي طهران ألا يتوقعوا بعد الآن أن تأتيهم أية علامات ضعف من واشنطن. إعداد: حسن ولد المختار