يمثل ويليام جيفرسون هيج في البرلمان البريطاني دائرة "ريتشموند" (يوركشر) منذ عام 1989، ومن شبه المؤكد الآن أنه سيزاوج بين منصبه البرلماني هذا ومنصب وزير الشؤون الخارجية لبريطانيا الصيف المقبل بعد فوز حزب "المحافظين" المنتظر في الانتخابات العامة. فديفيد ميليباند ليس ناجحاً على رأس الخارجية البريطانية، وهو ما سيمنح ويليام هيج فرصة جيدة للتميز وإبراز تباين واضح، غير أنه في ما يخص الجانب السلبي، فإن حزب المحافظين يعاني حالة فوضى عارمة بخصوص موقفه من الوحدة الأوروبية. وربما لن أستطيع أن أقدم مثالاً أفضل لسياسي أعاد تكوين نفسه من ويليام هيج الذي أصبح زعيماً لحزب المحافظين وزعيماً للمعارضة في عام 1997. فحين كنتُ عضواً في مجلس العموم، كان هيج وزيراً مكلفاً بشؤون ويلز في حكومة جون ميجر وكان عضواً محبوباً ولامعاً في الحكومة، غير أنه أساء تقدير أن يكون المرء زعيماً للمعارضة، وذلك بين عامي 1997 و2001. كما كان يأخذ عليه منتقدوه صغر سنه وافتقاره للتجربة والخبرة. ثم إنه إذا كان توني بلير قد أخذ حزب "العمال" الجديد إلى الوسط، وقد يقول البعض إلى ما هو أبعد من الوسط، فإن ويليام هيج أخذ حزبه إلى اليمين وحوّله إلى حزب مناوئ لأوروبا، حزب ظل خارج السلطة طيلة اثني عشر عاماً. غير أنه في عام 2005، عاد ويليام هيج إلى حكومة الظل كوزير للخارجية، وقد ألّف كتابين رائعين عن ويليام بيت (رئيس وزراء بريطانيا من 1783 إلى 1801 ومن 1804 إلى 1806) وويليام ويلبرفورس (سياسي إنجليزي وعضو البرلمان من 1784 إلى 1812). كما تعلم كيف يتعامل مع مجلس العموم بذكاء وفصاحة. واليوم، يعد هيج مصدر قوة لحزبه ومتحدثاً يحظى بالتقدير والاحترام، لذلك يمكن القول إن مستقبلاً زاهراً ربما ينتظره على ما يبدو. وفي الحادي والعشرين من شهر يوليو المنصرم، ألقى هيج خطاباً مميزاً في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن حول السياسة الخارجية لحزبه، خطاب ترك أصداء جيدة بين الجمهور، لا سيما أن زعيم حزب المحافظين، ديفيد كامرون، لا يتحدث حول الشؤون الخارجية وقضايا الدبلوماسية الدولية إلا نادراً، في وقت يتعرض فيه المحافظون لانتقادات شديدة بدعوى أنهم لا يأخذون السياسة الخارجية على محمل الجد كثيراً. والحال أن الشؤون الخارجية، وعلى غرار شؤون الدفاع، كانت تشكل موضوعاً قوياً لدى المحافظين خلال السنوات الماضية، حيث شُكلت في عام 2006، وعلى نحو حكيم، مجموعة استشارية صغيرة من أجل توجيه النصح والمشورة لديفيد كامرون، وكانت تضم هذه المجموعة في عضويتها شخصيات مرموقة، مثل اللورد هرد وهو وزير خارجية سابق محنك، والسير جيريمي جيرنستوك وهو سفير سابق في العراق، ونيال فرجسون وهو كاتب لامع ومؤرخ تلفزيوني. في الكلمة التي ألقاها قبل أيام، حذر ويليام هيج جمهوره من أن تأثير المملكة المتحدة على شؤون العالم آخذ في التقلص على نحو لا مناص منه، إذ قال: "إن جزءاً كبيراً من الأهمية الاقتصادية في العالم ينتقل اليوم إلى بلدان إما لا تتقاسم معنا تماماً مفاهيم نتبناها، مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان، أو تعارض، لأسبابها الخاصة، المقاربات التدخلية للسياسة الخارجية البريطانية". ولا شك في أن هيج كان يفكر في مشكلة فرض عقوبات أكثر فعالية ضد إيران، وهي عقوبات تريدها كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. ثم أضاف هيج قائلاً: "إننا نعتقد أن على بريطانيا أن تسعى إلى الحفاظ على تأثيرها ونفوذها في كل مكان ممكن من العالم، بل وأن تسعى إلى توسيعهما في بعض الحالات". كما تحدث عن تقييم دفاعي استراتيجي ستقوم به حكومة محافظة فور انتخابها، مشيراً في هذا الصدد إلى إمكانية إنشاء مجلسٍ جديد للأمن القومي، وإلى الدور المهم الذي سيوكل لوزارة الخارجية بخصوص المسائل الأمنية، حيث سيغطي التقييمُ الدفاعي "كل جوانب أمن بريطانيا، وليس القوات المسلحة فقط"... وربما يقصد هيج بهذه الجزئية الأخيرة أن "إم آي 6" (الاستخبارات الخارجية البريطانية) و"إم آي 5" (الاستخبارات الداخلية البريطانية) ستشاركان في تنفيذ التقييم الدفاعي الجديد. والحقيقة أنه ليست لديّ معلومات كافية حول كل المخططات التي قد تكون لدى المحافظين بشأن مجلس أمن قومي، لكنني آمل ألا يكون نسخة لما هو موجود في الولايات المتحدة. ومع ذلك، يُعد ويليام هيج من أشد المدافعين عن العلاقات المتميزة التي تربط بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة، ومن أشد المنتقدين للاتحاد الأوروبي، على النحو ذاته الذي كانت تنتقد به مارجريت تاتشر الاتحاد حين كانت رئيسة لوزراء بريطانيا. غير أن موقفاً بريطانياً كهذا يواجه الآن مشكلة؛ لأن الرئيس الأميركي باراك أوباما من المؤيدين لتنظيم الاتحاد الأوروبي لنفسه وبذل مزيد من الجهود حتى يصبح كياناً مستقلاً من الناحية العسكرية على الأقل. وبالتالي، فمن الأرجح أنه لن يكون لدى الرئيس أوباما وقت للأشخاص الذين يعارضون الاتحاد الأوروبي ولا يريدون لمسيرته أن تمضي قدماً. غير أنه سيتعين قبل ذلك أن نعرف ما إن كان المحافظون سينصرفون عن التدخل الليبرالي الذي يفضله توني بلير، وإلى درجة أقل جوردون براون. وعلاوة على ذلك، فإن ويليام هيج كان قد أشرف على انسحاب أعضاء البرلمان الأوروبي الذين ينتمون إلى حزب المحافظين، وذلك وسط انقسامات لا تخفى على أحد، من كتلة يمين الوسط الأوروبية، والتي تشمل كلاً من أنجيلا ميركل ونيكولا ساركوزي، ليساهموا في تشكيل مجموعة جديدة في البرلمان الأوروبي تلتزم بالتجارة الحرة، وتعارض أوروبا فيدرالية، وتضم مجموعة متنافرة ومحرجة من الأحزاب السياسية. وعليه، يبدو لي أنه من البدهي جداً أن ويليام هيج سيجد نفسه، كوزير للخارجية، مبحراً وسط بحر هائج وعاتي الأمواج، وذلك على اعتبار أن الحكومة المحافظة الجديدة ستكون بدون أصدقاء أو شركاء لها في أوروبا، وفي منظمة "الكومنويلث"، والتي يميل المحافظون إلى تجاهلها... ولا شركاء لها أيضاً في الأمم المتحدة.