بعد مرور ثلاثة أيام على الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية، وخروج المتظاهرين والمحتجين عليها إلى الشوارع، أصدر الرئيس أوباما تصريحاً أعرب فيه عن قلقه من العنف، إلا أنه دعا إلى عدم التدخل في الشأن الإيراني. وفي يوم الثلاثاء الماضي أحدث تغييراً طفيفاً على نبرة تعليقاته على تطورات الوضع السياسي في إيران، بإدانته للجوء النظام الحاكم لاستخدام العنف ضد المتظاهرين. غير أنه لم يمض خطوة أبعد لإدانة ما قيل إنه تزوير في العملية الانتخابية نفسها، أو الدعوة الصريحة لتغيير النظام الحاكم. وقد تعرضت هذه الاستجابة المتحفظة من قبل البيت الأبيض لما يحدث في إيران لهجوم عنيف من قبل منتقدي إدارة أوباما. وقد تساءل هؤلاء قائلين: كيف يمكن للولايات المتحدة أن تقف عاجزة وتكتفي بالفرجة على قمع النظام الإيراني للمتظاهرين على تزوير العملية الانتخابية؟ وإلى متى يواصل أوباما وقوفه في المجرى الخطأ من مسار التاريخ؟ والحق أن المنتقدين قد أخطأوا في حين أصابت الإدارة، بكل وضوح. فكما زعم أوباما، فإن انحياز الولايات المتحدة إلى صف المتظاهرين لن يسفر إلا عن تعزيز شوكة النظام، مقابل إضعاف المعارضة. ولنذكر هنا أن المرشد الأعلى قد أنحى باللائمة سلفاً على أميركا، متهماً إياها بمساندة المعارضين والمنشقين على النظام. فما الحكمة في منح اتهاماته قوة وتأكيدها إذن، وخاصة أن دعم واشنطن للمتظاهرين لن يساعد على وقف عنف الدولة ضدهم، ولن يضيف إلى قوتهم شيئاً؟ وعلى حد رأي "تيمور كوران" أستاذ العلوم السياسية بجامعة "ديوك": "فإن نجاح الثورات الشعبية يعتمد على طبيعة العلاقة بين آراء الأفراد الخاصة في حكومتهم، وقوة الدعم الشعبي الذي تحظى به المعارضة". فالمواطنون لا يشاركون في المظاهرات العامة إلا حين يشعرون بوجود سخط شعبي عام ضد النظام السياسي القائم. وعندها يأمن المشاركون في المظاهرات لوجود ما يكفي من سخط عام ينسجم وسخطهم الشخصي الخاص على النظام. وما أن تتوفر هذه الإرادة الجماعية المعادية للنظام، حتى تشتعل شرارة الثورة الشعبية بالفعل. وفي دولة مثل إيران كشف هذا السخط الشعبي عن نفسه بشكل مستقل تماماً عن موقف الولايات المتحدة من الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي جرت في البلاد. وزيادة في التوضيح، لنحسبْها حسبة بسيطة جداً. هبْ أن أوباما فعل ما يريده منه المنتقدون، فأعلن عن انحياز واشنطن إلى صف المعارضين الإيرانيين؟ فماذا سيحدث بالضبط؟ لنفترض جدلا أنك من الشباب التقدميين الذين لم يبلغ عمرهم العشرين عاماً بعد، وأنك من مؤيدي زعيم المعارضة مير حسين موسوي، وكارهي النظام الحالي. ولكنك على رغم ذلك رفضت الانضمام إلى المتظاهرين، لأي سبب كان. وما أن بدأت التنقل بين المحطات الفضائية والتلفزيونية حتى شاهدت في إحدى القنوات تقريراً إخبارياً يتحدث عن تأييد الرئيس أوباما للمعارضة الإيرانية. عندها فربما سينتابك الشعور بالشكر والعرفان للرئيس الأميركي على مناصرته لشعبك، إلا أنك كنت قد اتخذت قرار عدم الانضمام إلى المتظاهرين سلفاً، ولن يساعد تأييد الرئيس الأميركي لتلك المظاهرات على تغيير موقفك. كما أن شعورك بوقوف الولايات المتحدة من خلفك لن يقلل من وقع عصي "الباسيج" على رأسك بأي حال فيما لو تغير موقفك! وفوق ذلك فإن تصريحات أوباما الداعمة للمعارضة لن تفيد إلا تلك العناصر التي ينظر إليها على أنها موالية لـ"الشيطان الأكبر" سلفاً. ثم إن علينا أن نأخذ بآخر نتائج استطلاعات الرأي العام الإيراني، وهي دراسة "سلوكيات السياسة الخارجية الدولية" التي أجرتها جامعة ميريلاند في شهر فبراير من العام الماضي، حيث خلصت إلى أن نسبة 15 في المئة فحسب من المواطنين الإيرانيين تنظر نظرة إيجابية جداً إلى الأميركيين. وحتى حين طلب من المستطلعة آراؤهم التمييز ما بين الشعب الأميركي والحكومة الأميركية، كانت آراء نسبة لا تزيد عن 43 في المئة فحسب من "الإصلاحيين" إيجابية إزاء هذا التمييز. وعلى رغم صحة أن التيار الذي يمثله موسوي يعتبر أكثر موالاة من النظام لأميركا، إلا أنه يضم الكثير من العناصر التي لا تروقها أميركا، قليلا ولا كثيراً، دون شك. وهناك بين منتقدي أوباما من يدركون جميع هذه الحقائق، أي أولئك الذين يدركون جيداً أنه ليس في وسع واشنطن الكثير لتفعله من أجل تغيير مسار الأحداث الداخلية الجارية في طهران. لكنهم مع ذلك يصرون على أن تفعل واشنطن أي شيء يعبر عن تأييدها لعملية التحول الديمقراطي هناك. ويحاجج هؤلاء بالقول إن على الولايات المتحدة أن تظل ثابتة ومتمسكة بقيمها ومبادئها، بصرف النظر عما تسفر عنه تطورات الوضع السياسي في طهران. وخلافاً لذلك يظل أي موقف آخر "غير أميركي" لكونه مجافياً لقيمنا ومبادئنا المؤيدة للديمقراطية دائماً، كما يقول هؤلاء. وربما يكون للحديث المؤيد للتحول الديمقراطي معنى حين لا يلحق الضرر بهذه العملية. ولكن حين يأتي الحديث عن انحياز البيت الأبيض لمتظاهري طهران، فإن للكلمات الجوفاء ثمنها بل نتائجها العكسية الأكيدة. وقد أصاب أوباما باتخاذه موقفاً براجماتياً متحفظاً ومنحازاً إلى المسار الصحيح من حركة التاريخ، بإعلانه عدم تدخل بلاده في ما يجري من شأن داخلي هناك. ولنأمل أن يحافظ أوباما على تمسكه بهذا الحياد.