كانت موهبته من نوع مختلف، كان أول أسود يستطيع أن يحصل على إجماع عالمي بموهبته وإبداعه الخاص، لدرجة أنه وصل إلى أن يكون الأفضل لوقت طويل نسبياً قبل أن يضيع في متاهة الشهرة وتبعاتها. هذا العالمي الذي أعلن العولمة بشهرته قبل أن تأتي العولمة وتعلن عن سطوتها لسنوات سقط ، ليس موتاً فحسب، بل أزمات، و كلفته الشهرة كثيراً. هذه الشهرة التي يركض خلفها المئات من المهووسين بالظهور وعشق الكاميرا، جعلت من الفشل والاتهامات حليفين مخلصين لواحد مثل جاكسون. فليست الفضائح المتوالية هي ما أتعبت قلبه وأوقفته، بل هو الضوء المنحسر الذي كان مهتماً أن يختبئ عنه وفي ذات الوقت يبحث عنه ويلاحقه كل صباح. اليوم يتناقش العالم حول ديون هذا الفنان وأزماته المالية وعملياته التجميلية التي حولته إلى إنسان مشوه بملامح إنسانية حقيقية. ربما كانت وفاته درساً لمرض الشهرة والظهور، أو ربما لا يفقه أمثال هؤلاء حقيقة الشهرة وتبعاتها، وماذا يعني أن تكون شخصاً مشهوراً، وأي حساب تدفعه طالما كانت الأضواء جزءا من حياتك. وحتى على مستوى الساسة، يتنافس البعض منهم على مقاعد السلطة حباً في الأضواء والأخبار المتناقلة هنا وهناك وصور مبعثرة على مدار الساعة، ومداري الكرة الأرضية أيضاً، ولا يعبأ هذا المضيء - تجاوزاً - بماذا يفعل المهم أن تتصدر أخباره صدور الصحف ونشرات الأخبار، وإلا ماذا يهم العالم إذا كانت هواية هذا السياسي صيد السمك أو غيرها؟ فالفنان ربما كان الناس حريصين على متابعة أخباره شغفاً بفنه، ولكن بماذا يهتم الناس بالسياسي حتى لو كان في يوم ما نجماً لامعاً لكنه استمال إلى لمعان السياسة وبريقها؟ كان موسم الموضة الشتائي السابق حافلا بصور أحد الذين غيّروا خريطة العالم وموازينها، إنه جورباتشوف مهندس سقوط الاتحاد السوفييتي، والسبب في تحول الولايات المتحدة إلى قوة عظمى وحيدة بلا منافس أو توازن قوى عالمي. كان متألقاً بحمله لحقائب من ماركة عالمية شهيرة، نسي تاريخه كله، واحتضن حقيبته الجلدية المطبوعة بشعار يعرفه الجميع. لقد استغلت هذه الشركة شهرة هذا السياسي وتاريخه، وحولته إلى تاريخ روج إلى شراكة فعلية بين حقيبة فاخرة وتاريخ تغيرت وجهته تماماً بسبب هذا السياسي، الذي ما زال ينتقده الآلاف ويشكره غيرهم. هنا لم يحترم جورباتشوف تاريخه وحوّله إلى مجرد شخص تستخدمه شركات الإعلان للترويج لبضاعة فاخرة... تماماً كدوره في بلاده، حيث روج لسقوط دولة عظمى، وانتهت هذه الامبراطورية، ولكنه ضمن مكاناً تحت الأضواء.. لا يهم نوعية هذه الأضواء، لكنه الاستمرار في الظهور، وإنْ كان الثمن تاريخا سياسيا حافلا تحول إلى مجرد تاريخ تجاري سينتهي بعد حين قريب. قاسية هي ضريبة الشهرة، ومكلفة ليس فقط مادياً بل حتى صحياً، وقد تؤدي إلى الموت من شدة الضغوط على قلب يقبع في صدر متهالك جراء لهاثه خلف بريق متاهة الدنيا التي بلا مخرج فعلي. هؤلاء الذين وقعوا في شرك المتاهة لن يخرجوا منها سالمين... السالم الوحيد هو ذاك البسيط النائم باطمئنان، والمتفرج على صخب الدنيا من بعيد، والذي سكن قلقه بمعرفته لحقيقة الحياة وزيفها، وأنها فقط أكذوبة كبيرة يصدقها البعض فقط.