ينقسم الرأي العام العالمي في الوقت الراهن، بشدة حول الكيفية التي ينبغي أن يكون عليها رد الفعل على القمع، الذي مارسته السلطات الإيرانية ضد الاحتجاجات الجماعية التي اندلعت في شوارع طهران عقب الانتخابات الرئاسية في الثاني عشر من يونيو الحالي. فالبعض يريد عزل الجمهورية الإسلامية ومعاقبتها، والبعض الآخر يقول إنه ليس من حق الأجانب التدخل في شؤونها الداخلية. والانتقاد الأشد قسوة لإيران جاء على لسان الرئيس الفرنسي "نيكولا ساركوزي" الذي دعا لعقوبات أكثر صرامة ضد إيران؛ أما رؤساء روسيا، والصين، ودول آسيا الوسطى، والدول العربية فقد لوحظ أنهم كانوا أكثر احترازاً في تصريحاتهم ومواقفهم تجاه ما يجري في تلك الدولة. والمسألة المتعلقة بكيفية رد الفعل على الغليان السياسي في إيران تكتسب أهمية قصوى في الظرف الراهن، لأنها تهدد بإحباط هدف من أهم أهدف سياسة الرئيس الأميركي"باراك أوباما" الخارجية ونعني به رغبته في البدء في حوار مع طهران، ووضع نهاية للعداء بين الولايات المتحدة وإيران المستمر منذ ثلاثين عاماً على وجه التقريب - منذ قيام الثورة الإسلامية عام1979 - وحتى الآن. في بداية تلك التظاهرات، كان أوباما حريصاً على عدم الانحياز لطرف دون الآخر؛ وعندما ازدادت عنفاً، اضطر أوباما - تحت ضغط من الكونجرس، وأجهزة الإعلام التابعة لـ"اليمين" المحافظ - إلى زيادة حدة خطابه، كما يتبين من التصريح الذي أدلى به في المؤتمر الصحفي للبيت الأبيض يوم الجمعة الماضي، والذي قال فيه:"ليس هناك شك في أن أي حوار مباشر، أو عمل دبلوماسي مع طهران سوف يتأثر بالأحداث التي وقعت على مدى الأسابيع القليلة الماضية". وهذا الموقف أبهج "محافظي" أميركا الجدد، الذين كانوا يحسون بقلق عميق جراء خطوات أوباما الشرق أوسطية، ومنها ضغطه على إسرائيل لتجميد المستوطنات، وانفتاحه على العالمين العربي والإسلامي، ومد يده لإيران، وهي تلك الخطوات التي جعلت من الرئيس الأميركي يتعرض بالفعل لاتهام بالضعف وتعريض أمن أميركا القومي للخطر من جانب الجناح اليميني. وهذا الجناح، بعد أن بدأ يشعر بأن اتجاه التيار في واشنطن قد بدأ يتغير، اكتسب زخماً جديداً، وراح يضغط باتجاه تبني الولايات المتحدة لسياسة تقوم على تغيير النظام في إيران، مثلما ضغط ذات يوم من أجل الإطاحة بنظام صدام في العراق. وأوباما، كما يبدو، قد أُرغم على تعليق مقاربة الحوار مع طهران مؤقتا، انتظاراً لما سيسفر عنه صراع القوى والإرادات في إيران. غير أن ذلك لم يحل بينه وبين القول بأن الولايات المتحدة سوف تشارك في المفاوضات الدولية حول برنامج إيران النووي، وإن كان قد لوحظ أنه قد شدد من نبرة خطابه في هذا الشأن أيضاً عندما قال بنفاذ صدر إن "الساعة قد بدأت تدق". ووضع جدول زمني تعسفي - أي من جانب واحدـ للمحادثات مع إيران، يمكن أن يؤدي إلى نتائج عكس المطلوب منه تماما. فالضغط على إيران بشأن طموحاتها النووية ربما تكون لديه فرصة للنجاح إذا ما كان جزءاً من اتفاق سياسي أوسع نطاقاً، أو من "صفقة كبرى" مع الولايات المتحدة. أما عندما تجد إيران نفسها محاصرة على النحو التي هي عليه الآن، فأنها ستشعر بأنها مكشوفة أمام المخاطر، خصوصاً إذا ما تذكرنا بأنها ظلت تواجه سيلا مستمرا من التهديدات من جانب إسرائيل، ومن جانب الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، الذي كان يصر دائماً على القول إن الخيار العسكري في التعامل مع طهران "مطروح على الطاولة. ومن الطبيعي في بيئة معادية كهذه، أن تكون أولوية إيران هي السعي إلى الحصول على قدرة ردع على شكل سلاح نووي. مع ذلك، يمكن إقناع إيران بالتوقف عن برنامجها النووي قبل الوصول إلى ما يعرف بـ"مرحلة العتبة"- أي تلك المرحلة التي تسبق مباشرة إنتاج السلاح النووي - وذلك إذا ما قُدر لعلاقاتها مع الولايات المتحدة أن تتحسن بدرجة كبيرة. وهذا التحسن يعني استرداد العلاقات الدبلوماسية، واعتراف الولايات المتحدة بالدور الإقليمي لإيران، وحصولها -إيران - على ضمانات ضد احتمالات تعرضها لمحاولات تخريبية أو هجمات خارجية، وإدماجها في الترتيبات الأمنية في الخليج مع جيرانها من العرب. ولكن الوصول إلى مثل هذه الاتفاقية سوف يتطلب بلا ريب حواراً سياسياً مطولا يجب أن يتم بنية حسنة. أما إذا ما تلاشت آمال التوصل إلى مثل تلك "الصفقة الكبرى"، فإن الباب سوف ينفتح إذن على مصراعيه أمام خيارات أكثر عنفا، من تلك النوعية التي سعت إسرائيل، وإصدقاؤها كثيرا إليها. هذا هو المنحدر الزلق الذي يجد أوباما نفسه سائراً عليه في الوقت الراهن. على ضوء ذلك، فإن السؤال الذي لا بد أن يطرح نفسه هنا هو: هل سيتمكن أوباما من الاستمرار في لجم القادة الإسرائيليين الميالين للعدوان - ويواصل من ثم الضغط عليهم كي يجمدوا المستوطنات، ويسمحوا بظهور الدولة الفلسطينية -إذا ما كسب المتشددون مثل المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية "آية الله على خامنئي"، والرئيس "محمود أحمدي نجاد" الصراع الدائر في إيران، أو إذا ما استمر البرنامج النووي الإيراني سائراً في طريقه دون كابح؟ من حسن الحظ أن الضغط الغربي على إيران قد توازن نوعاً ما، بفعل الموقف الأكثر حيادية الذي اتخذته روسيا والصين. ففي الخامس عشر من يونيو، وفيما كانت طهران تهتز تحت وقع التظاهرات والاحتجاجات الجماعية، حضر الرئيس"أحمدي نجاد" مؤتمراً على مستوى القمة لمنظمة شنغهاي للتعاون في "يكاترنبورج"، وهي مدينة رئيسية في منطقة "الأورال" الروسية، حضره أيضاً الرئيس الروسي"ديمتري ميدفيديف"، والرئيس الصيني"هو جنتاو"، ورؤساء كازاخستان، وقرغيزستان، وطاجيكستان، وأوزبكستان، وكلهم بلا استثناء هنأوه بمناسبة إعادة انتخابة لفترة رئاسة ثانية. وقد كان لافتاً للنظر أيضاً أنه عندما اجتمع وزراء خارجية مجموعة الدول الثماني الكبرى (الولايات المتحدة، وكندا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، وبريطانيا، وروسيا، واليابان) في مدينة "تريستي" الإيطالية في السادس والعشرين من يونيو الجاري، فإنهم حثوا إيران على احترام حقوق الإنسان، والسماح بحرية التعبير، ولكن وزير خارجية روسيا "سيرجي لافروف" كان حريصاً مع ذلك على أن يدلي بتصريح يؤكد فيه على أن تلك الدول لا تنوي "التدخل في الشؤون الداخلية لإيران". إن ذلك كله يدل بما لا يدع مجالا لشك على أن الاضطراب السياسي في إيران لا يزال يحير العالم، ويطرح في الآن ذاته أسئلة غاية في الخطورة. باتريك سيل كاتب بريطاني متخصص في شؤون الشرق الأوسط ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست