بدت العديد من المراقبين المواجهة بين إدارة الرئيس أوباما وإسرائيل حول مستعمراتها داخل الأراضي الفلسطينية كاختبار حقيقي لمدى استعداد رئيس الوزراء الإسرائيلي، نتانياهو، للدخول في مفاوضات حقيقية حول تسوية تنهي الصراع في الشرق الأوسط. بيد أن هذا الهدف دونه العديد من العقبات والجوانب الغامضة التي تستدعي مزيداً من التوضيح والتدقيق. فقد راهن نتانياهو في البداية على حزب "الليكود" وجماعات الضغط المساندة للمستوطنات في واشنطن لصياغة خطة مخادعة تسمح للمستعمرات بالاستمرار في مصادرة الأراضي الفلسطينية، أو ما تبقى منها وتوسيع المستوطنات، فيما تواصل الولايات المتحدة الإشراف على مفاوضات عقيمة وبدون معنى مع الفلسطينيين، كما جرت العادة في السابق،. وفي زيارة نتانياهو الأخيرة إلى إيطاليا أعاد فقط تكرار مواقفه القديمة، حيث صرح للمحطة التلفزيونية الإيطالية "راي" بأنه عندما دعاه أوباما في خطابه بالقاهرة لوقف بناء مستوطنات جديدة في الضفة الغربية رد عليه بالرفض، لكنه وافق على إقامة الدولة الفلسطينية التي سبق له رفضها في السابق شريطة استجابتها لشروط معينة، وهي الشروط التي ستحرم الدولة الفلسطينية المرتقبة من سيادتها الكاملة، أو من مراقبة حدودها، والإشراف على أمنها واقتصادها وتجارتها، بل إنها ستحرمها حتى من السيطرة على مجالها الجوي ومياهها وباقي الموارد الطبيعية، ليبدو الغرض النهائي من عرض نتانياهو هو أن يرفض من قبل الفلسطينيين لتلقى الكرة، بشكل كيدي، في ملعبهم، أمام الحكومات والرأي العام. وقد شكل مفهوم الدولة الفلسطينية الذي طرحه نتانياهو رسالة واضحة موجهة إلى الفلسطينيين أنفسهم مفادها ألا يتوقعوا شيئاً من الحكومة الإسرائيلية، وهي أيضاً رسالة موجهة إلى أوباما بأن إسرائيل تنتظر وقف الولايات المتحدة لأي مطالب مستقبلية بشأن المستوطنات واستئناف المفاوضات اللانهائية التي انطلقت منذ عهد الرئيس بوش الأب الذي حاول، دون جدوى، تجميد بناء المستوطنات وتمددها فوق الأراضي الفلسطينية. بل إن نتانياهو واصل كلامه قائلا: "أعتقد أنه كلما تحدثنا عن المستوطنات أضعنا المزيد من الوقت بدل التركيز على السلام". وبعد زيارته لإيطاليا انتقل نتانياهو يوم الأربعاء الماضي إلى فرنسا متوقعاً استقبالا حاراً من الرئيس ساركوزي لموافقته على حل الدولتين بعد تردد طويل، لكن بدلا من ذلك كان ساركوزي واضحاً عندما قاله له إن فرنسا "لن تقبل مجدداً الألاعيب الإسرائيلية التي تهدف إلى تغطية بناء المستعمرات بذريعة الحفاظ على «النمو الطبيعي» للمستوطنات"، وهو موقف انتقده من قبل وزير الخارجية الإسرائيلي، أفيجدور ليبرمان، الذي اعتبر أن وقف بناء المستوطنات "يجعل من المستحيل على الإسرائيليين بناء دور العبادة ورياض الأطفال، أو إضافة غرف عندما تتوسع العائلة". والمفارقة أن ليبرمان، المستوطن الذي هاجر هو نفسه من مولدوفا، يريد للمواطنين العرب الذين ظلوا داخل إسرائيل بعد قيام الدولة أن تُصدر لهم السلطات وثائق هوية خاصة بهم وتشجعهم على مغادرة إسرائيل لعل ذلك يفسح المجال أمام العائلات اليهودية لتتوسع دون أن يزعجها أحد في المكان. وقد كان لافتاً إلغاء المبعوث الأميركي للسلام في الشرق الأوسط، جورج ميتشل، للقاء كان مقرراً مع نتانياهو في باريس يوم الخميس الماضي كما نقلت ذلك صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، ورجوعه إلى واشنطن بعدما سرّب البيت الأبيض أنه لن يعقد اجتماعات مستقبلية مع نتانياهو ما لم يجمد بناء المستوطنات في الضفة الغربية. وإذا كان هذا التحول في الموقف الأميركي إزاء الصراع في الشرق الأوسط هو محاولة متأخرة لاستعادة بعض التوازن والعدل في سياسة واشنطن الخارجية فإن السؤال الحقيقي يبقى عن الخطوات التي ستتبع هذا الموقف وتعززه على أرض الواقع، فهل ستعمل أميركا على دفع موقفها حول المستوطنات بفرض عقوبات مالية وسياسية إذا واصل نتانياهو تعنته؟ فعلى رغم انتخاب نتانياهو ومعارضته لأميركا بعرقلته قيام دولة فلسطينية يعرف الجميع أنه بإمكان واشنطن الإيعاز لقوى سياسة إسرائيلية بإسقاط الحكومة في حال الإصرار على المواقف الرافضة لوقف الاستيطان. لكن ماذا بعد ذلك؟ لقد تحولت حركة الاستيطان المستمرة منذ أكثر من أربعة عقود إلى مكون أساسي لرؤية إسرائيل حول مصيرها الوطني وأمنها القومي، لاسيما بعدما قارب عدد المستوطنين في الضفة الغربية نصف مليون، ناهيك عن البنية التحتية الهائلة التي تدعمها من طرق متشابكة ومنشآت مختلفة تقضم 40 في المئة من الضفة الغربية. وهذا الواقع المؤلم يوضحه "جيفري أرونسون" من "مؤسسة السلام في الشرق الأوسط" بواشنطن في تقرير أخير يقول فيه إنه لمجرد تجميد المستوطنات سيتطلب ذلك من إسرائيل "إلغاء نظام كامل من التنسيق والتعاون المشترك بين الجيش والجهازين التشريعي والتنفيذي للدولة، فضلا عن المستوطنين ومنظمات عامة وخاصة تشجع جميعاً على بناء المستوطنات". ويخلص التقرير إلى أن أي تجميد حقيقي للمستوطنات يستدعي "خطة معقدة تحتم اتخاذ قرار سياسي مهم لن تستطيع حكومة إسرائيلية المجازفة باتخاذه، اللهم إلا في ظل قرار شامل ينهي الاحتلال بأكمله ويزيله من الأراضي الفلسطينية"، وبالطبع لن يكون ذلك ممكناً دون جهد عالمي كبير يعيد صياغة علاقات الأمن بين الفلسطينيين والإسرائيليين والمحيط العربي، وهذا أمر يصعب تصوره في الوقت الحالي. كاتب ومحلل سياسي أميركي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "تريبيون ميديا سيرفيس"