يعدّ عنصر العمل هو المحرّك الرئيسي لعملية الإنتاج، فهو من يستخدم أدوات الإنتاج لتحويل المدخلات الإنتاجية إلى سلع وخدمات يمكن للمستهلك أن يستخدمها، وبالتالي فإن كفاءة هذا العنصر هي المحدّد الرئيسي لكفاءة عملية الإنتاج وكفاءة استخدام الموارد الاقتصادية. وإذا ما سعت أي دولة إلى زيادة قدراتها الإنتاجية وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية لديها وتحسين تنافسية اقتصادها بين اقتصادات العالم، فإن الخطوة الأولى على هذا الطريق هي الاستعانة بالكوادر البشرية ذات المهارات الإنتاجية المتطوّرة في مختلف مجالات العمل والإنتاج، لكي تتمكّن الدولة من تعظيم الاستفادة من مواردها الاقتصادية، ولتتجنّب هدر هذه الموارد، كما يجب أن تسعى الدولة إلى تطوير مهارات كوادرها البشرية، وتدريبها على أحدث طرق الإنتاج بما يتماشى مع احتياجاتها التنموية من ناحية ومع التطوّرات العالمية من ناحية أخرى. وبالطبع فإن دولة الإمارات تأتي ضمن أكثر دول العالم سعياً إلى تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ولذلك فهي تضع جميع مواردها الاقتصادية رهن تحقيق هذا الهدف. وقد نجحت دولة الإمارات في إنشاء بنية أساسية ومعلوماتية تأتي ضمن أكثر البنى تطوّراً على مستوى العالم، كما أنها توفّر أدوات الإنتاج الأكثر تطوّراً على مستوى العالم. كما تسعى الدولة حثيثاً إلى تطوير عنصر العمل بشكل مستمر، من خلال تطوير مهارات كوادرها المواطنة وتوظيفها، ومن ثم استقطاب العمالة من الخارج لسدّ احتياجات سوق العمل لديها. لكن رغم ذلك فإن إسهام العمالة المواطنة في القطاع الخاص في الدولة يظلّ إسهاماً ضئيلا، إذ تمثّل العمالة الوافدة نحو 99.7 في المئة من إجمالي العمالة في القطاع الخاص، وذلك كما أعلنت "دائرة التنمية الاقتصادية" في أبوظبي، مؤخراً، والأكثر من ذلك لا يبدو أن القطاع الخاص يستخدم الكفاءة والتأهيل كمعيار لاستقطاب العمالة الوافدة، حيث لا تتعدّى نسبة الحاصلين على شهادات أعلى من الثانوي نحو 9.9 في المئة من إجمالي العمالة بالقطاع الخاص في الدولة، وهناك نحو 90.1 في المئة من العمالة الوافدة في القطاع الخاص من الأميين أو حاملي الشهادات الثانوية على أقصى تقدير، وبالطبع فإن هذا التدنّي في المستوى التعليمي لمعظم العمالة في القطاع الخاص يؤدّي إلى تدني مستويات الإنتاجية. وإذا كانت مؤسسات القطاع الخاص تفضّل هذا النوع من العمالة بسبب انخفاض تكلفتها مقارنة بالعمالة الماهرة، فإنها يجب أن تأخذ في اعتبارها أن العمالة غير المؤهلة تتسبّب لها بخسائر كبيرة، وإذا ما احتسبت هذه المؤسسات الخسائر الناتجة عن هدر الموارد وطول فترات الإنتاج بسبب الاستعانة بهذه العمالة، فستجدها تفوق بكثير حجم التوفير الذي تحققه بعدم الاستعانة بالعمالة الماهرة مرتفعة التكلفة. ولا يتوقف الضرر الناتج عن الاستعانة بالعمالة غير المؤهلة على القطاع الخاص فقط، بل إنها تؤثر بالسلب في مسيرة التنمية في الدولة بوجه عام، حيث يؤدّي اعتماد القطاع الخاص على هذه العمالة إلى ضعف إسهامه في الناتج المحلي الإجمالي في الدولة، الذي لا يتعدّى 18.5 في المئة، كما أن انتشار هذه العمالة يؤدّي إلى عرقلة عملية التنمية في الدولة ويضيع عليها العديد من فرص التنمية، ولن يمكّنها من تنفيذ استراتيجياتها المستقبلية المعتمدة على تعزيز تنافسية اقتصادها على مستوى العالم وتوطين التكنولوجيا الحديثة في الدولة. ويحتاج الأمر إلى وضع استراتيجية طويلة الأمد تعيد النظر في هيكل سوق العمل في الدولة، بما يتماشى مع استراتيجيات التنمية وأهدافها، على أن يتم التركيز على تغيير منهجيات استقدام العمالة الوافدة إلى الدولة وبوجه خاص إلى مؤسسات القطاع الخاص، وأن يتم استقطاب العمالة الوافدة بانتقائية شديدة وفقاً لمعايير الكفاءة والإنتاجية، وبما لا يقضي على فرص العمالة المواطنة في سوق العمل. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.