يوفر الاندماج الذي تم التوقيع عليه بين شركتي "كرايسلر" و"فيات" للسيارات خلال الشهر الجاري، فرصة لبداية جديدة للشركة، فضلا عن كونه فرصة لاستخدام عشرات الآلاف من العمال. هذا وتجري إعادة هيكلة مشابهة لشركة "جنرال موتورز" يتوقع لها أن تكتمل قريباً هي الأخرى. ويتم إنجاز عملية إعادة الهيكلة هذه في الشركتين الأميركيتين "جنرال موتورز" و"كرايسلر" بالسرعة التي نراها، بتدخل مباشر من الحكومة، إضافة إلى موافقة حملة الأسهم وأصحاب المصلحة في استمرار الشركتين على تقديم تضحيات مؤلمة من أجل هذا الاستمرار. ولكن يأتي قبل هذه الأطراف جميعاً دافعو الضريبة الأميركيون الذين ينفقون مليارات الدولارات حفاظاً على استمرار صناعة السيارات، التي تمثل أحد أهم قطاعات الاقتصاد القومي الأميركي. ويحق لهؤلاء أن يثيروا السؤال: كيف ستختلف إعادة الهيكلة الجارية الآن في كلتا الشركتين، عن المحاولات نفسها التي جرت سابقاً؟ وفي ما يلي الإجابة على هذا السؤال. فقد وافقت الجهات المعتمدة للشركتين: الحكومة الأميركية، البنوك، حملة الأسهم والسندات، وكذلك الصناديق الائتمانية الخاصة باتحاد متقاعدي صناعات السيارات، على توفير التمويل اللازم لتخليص الشركتين من ديونهما السابقة، وبذلك توفرت مليارات الدولارات التي حررت الشركتين من تلك الالتزامات. وسوف يوفر هذا الإجراء المزيد من الأموال التي يمكن استثمارها في قطاع صناعة السيارات، فضلا عن جعل الاستثمار الخاص في القطاع نفسه أكثر جاذبية. كما يتوقع للشركتين أن تخفضا عملياتهما، بما يمكنهما من إنجاز خفض كبير في تكلفة الإنتاج، على حساب الأيدي العاملة. فإلى جانب خسائر الوظائف وخسائر العائدات الضريبية الناشئة عن إغلاق بعض الأقسام التابعة للشركتين، سوف تكون هناك تأثيرات واسعة على المجتمعات المحلية المحيطة بتلك الأقسام والمصانع. فهناك المزارعون الذين أنشأوا مزارعهم حول المصانع المغلقة، بهدف تزويدها بما تحتاجه من جلود تستخدم في صنع مقاعد السيارات. وهؤلاء سوف يخسرون مبيعاتهم جراء إغلاق المصانع التي نشأ عليها استثمارهم في السابق. وهناك المطاعم والبقالات العائلية التي أقيمت حول المصانع نفسها. فأصحاب هذه المطاعم والبقالات سوف يتضررون من ناحية تبخر الدخل والعمالة نتيجة قرار التصفية والإغلاق. وفي المقابل سوف تحقق الشركتان مدخرات إضافية دون شك، جراء الاتفاقات التي صادق عليها اتحاد عمال صناعة السيارات الأميركي هذا العام. يذكر أن هذه الاتفاقات جاءت نتيجة لتنازلات تم التوصل إليها خلال الأعوام 2005، 2007، ثم 2008. ووفقاً لها، وافق العمال على تجميد أو خفض أجورهم، بينما وافق المتقاعدون من ذوي الدخل السنوي الثابت على دفع تكلفة رعاية صحية أعلى من ذي قبل. وفي مقابل هذه التضحيات الكبيرة، تجد شركات السيارات القومية التي تتم إعادة هيكلتها في موقف استثماري أفضل، يمكنها من الاستجابة الفعالة للهواجس البيئية التي تؤرق عالم اليوم. فقد نص الاتفاق المبرم بين شركتي كرايسلر وجنرال موتورز من جهة، واتحاد عمال صناعة السيارات الأميركي من جهة أخرى، على أن تلتزم الشركتان ببدء صناعة سيارات صغيرة جديدة تطرح للأسواق المحلية. ويتوقع أن يؤدي الائتلاف الذي حدث بين كرايسلر وفيات لإنتاج تكنولوجيا سيارات حديثة ذات كفاءة عالية في استهلاك الطاقة. ففي حين تعمل شركة "فورد" على إنتاج أولى السيارات الهجينة الرائدة في مجال تصنيع هذا النوع، يتوقع قريباً جداً من شركة جنرال موتورز أن تطرح سيارة "شيفي فولت" وهي أول سيارة تجارية تعمل بالطاقة الكهربائية. وتساعد هذه التكنولوجيا الخضراء، الشركات على تلبية المعايير الأميركية الصارمة المفروضة على اقتصاد الوقود وكذلك الاستجابة لمتطلبات خفض انبعاثات الولايات المتحدة الأميركية من غازات بيت الزجاج، مع العلم أنها المعايير التي فرضتها إدارة أوباما الجديدة. ومن شأن هذه المعايير أن تقلل من اعتماد بلادنا على واردات النفط الأجنبي، إضافة إلى تمكينها من درء خطر التغير المناخي. شركات السيارات الأميركية تبدي استعداداً للمنافسة، ولكن لضمان عدالة هذه المنافسة لا بد من وجود ملعب عالمي منصف تدور فيه، وهو ما لا توفره سوق السيارات العالمية حتى الآن. فعلى سبيل المثال، تمكنت شركات تويوتا وهوندا ونيسان وغيرها من شركات السيارات اليابانية، من بيع نسبة تصل إلى 94 في المئة من جملة سيارات الركاب التي بيعت في أسواقها المحلية العام الماضي. وبالمثل تسيطر الشركات الكورية على نسبة 96 في المئة من مبيعات السيارات في أسواقها المحلية. ولكن بالمقارنة، لا تسيطر شركات كرايسلر وفورد وجنرال موتورز مجتمعة إلا على نسبة تقل عن 50 في المئة من أسواق السيارات الأميركية. ولا تعود ندرة مبيعات السيارات الأميركية في آسيا إلى عدم رغبة اليابانيين والكوريين هناك في امتلاك سيارات الشيفروليه والفورد والجيب..إلى آخره، إنما تفسر هذه الندرة بحماية اليابان وكوريا لأسواق سياراتهما المحلية، عن طريق التلاعب بالعملات والحواجز المعفاة من التعرفة الجمركية. وتكون نتيجة ذلك كله، أسعار فلكية للسيارات الأميركية الصنع، مقارنة بانخفاض أسعار السيارات المحلية الآسيوية. ينبغي القول ألا مصلحة لعمال صناعة السيارات الأميركيين في خوض حرب تجارية، أو إنشاء حائط حماية حول أسواق سيارات بلادهم المحلية مثلما يفعل الآسيويون. ولكنا نطالب شركات السيارات الآسيوية بأن تعامل صناعاتنا ومنتجاتنا بقدر أكبر من الإنصاف والعدالة. وعليه فلا بد من إزالة الدعم الخفي الذي تقدمه شركات السيارات الآسيوية لمنتجاتها، والكشف عنه أولا. ولسنا بحاجة كذلك إلى صفقات تجارية جديدة من شاكلة "اتفاقية التجارة الحرة بين أميركا وكوريا" التي تفاوضت حولها إدارة بوش السابقة، مع العلم أنها تنص على شروط تبادل تجاري غير منصف بين بلادنا وكوريا الشمالية. ما نطالب به بديلا لمثل هذه الاتفاقيات، هو توفر عدالة ونزاهة التبادل التجاري مع هذه الدول. --------- رون جيتلفنجر رئيس اتحاد عمال صناعة السيارات الأميركي --------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"