منذ أن تولى فيديل كاسترو مقاليد الحكم في كوبا عام 1959، بات الأميركيون مهووسين بهذه الدولة التي لا تبعد عن أقرب نقطة في سواحل بلادهم الجنوبية سوى 90 ميلا فقط. ومع توالي السنين، لم يزدد التركيز الأميركي على الجمهورية الاشتراكية إلا قوة بفعل الموجات المتتالية من الهجرة الكوبية إلى أميركا وبسبب شخصية كاسترو نفسه. وعلاوة على ذلك، فإن الكوبيين باتوا اليوم يشكلون مجموعة إثنية كبيرة في ولاية فلوريدا، وعدد المهاجرين الكوبيين أضحى من القوة والتأثير بحيث يستحيل على أي رئيس أميركي أن يتجاهلهم. لكن ما الذي يعرفه الأميركيون حقاً عن كوبا؟ في كتاب "كوبا: ما يحتاج المرء لمعرفته"، ترسم جوليا سويج، الخبيرة في شؤون كوبا وأميركا اللاتينية، بورتريها مستفيضاً لهذه الجزيرة -الدولة، والمكانة الفريدة التي تتمتع بها على الساحة العالمية منذ الثورة، ما يجعل منه مرجعاً مهماً لأنه، وبعد أن يصف الظروف المحيطة بتفويض كاسترو، في صيف 2006، سلطاته لشقيقه راوول، يعود بنا عقوداً إلى الوراء، نحو تاريخ كوبا منذ الحرب الأميركية الإسبانية قبل أن ينتقل إلى العقود الأخيرة. كما يشرح نجاح الثورة التي زامنت الحرب الباردة، وتسعة رؤساء أميركيين، ورئاسة كاسترو التي دامت عقوداً من الزمن. فحسب سويج التي تدير قسم دراسات أميركا اللاتينية في مجلس العلاقات الخارجية، فإنه يمكن رصد بداية عقلية الصراع المهمة بالنسبة للشعور القومي الكوبي في كتابات المنفي الكوبي خوسي مارتي، الذي دافع عن استقلال كوبا عن إسبانيا محذراً من التدخل الأميركي. لكن تخوفاته سرعان ما تحققت، حيث تدخلت الولايات المتحدة بعيد هزيمة الإسبان عام 1898، ففرضت احتلالا عسكرياً مذلا للكوبيين الذين، حاربوا من أجل الاستقلال. ورغم أن الاحتلال قد انتهى مع نهاية القرن، فإن الولايات المتحدة قيدت، عبر "قانون بلات" لعام 1901، السيادة الكوبية على مدى عقود إلى أن أفضت ثورة ضابط كوبي مغمور يدعى "فولجينسيو باتيستا" إلى فرضها وتأسيسها. لكنها ظلت سيادة منقوصة نظرا لسيطرة الشركات الأميركية على قطاعات مهمة من الاقتصاد. ثم جاء عهد كاسترو الذي أطلق تمرداً مسلحاً عام 1953. لكن هجومه على ثكنة عسكرية كان فاشلا وأفضى إلى سجن من ظلوا على قيد الحياة من مجموعته، قبل أن يفرج عنهم بعد نحو عامين إثر عفو عام ليطلقوا حركة تمرد جديدة، رفقة رفيقهم الأرجنتيني "تشي جيفارا". وبعد 22 شهراً من القتال، فر باتيستا وحذت حذوه أغلبية النخبة الكوبية الموالية لأميركا. ثم دخل كاسترو هافانا في يناير 1959. كان النظام الجديد يريد إعادة توزيع الثروات، وهو أمر كان بطبيعته على حساب المصالح الأميركية، لكنه أيضاً كان يريد الاستقلال الوطني؛ غير أن البلاد انتهى بها الحال في الأخير إلى استبدال قوة إمبريالية بأخرى. أنشأ كاسترو دولة حزب وحيد سيطرت على الأرض والاقتصاد ووسائل الإعلام ووضعتها في يد الحزب الشيوعي والحكومة. وتقلص المجال المحدود أصلا للانشقاق والمعارضة، نتيجة التحديات المدعومة من قبل أميركا لنظام كاسترو، مثل الغزو الفاشل لخليج الخنازير عام 1961 وثماني محاولات لـ"سي آي إيه" على الأقل لاغتيال كاسترو. ولعل أسوأ فصل في علاقات البلدين الجارين هو أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، والتي دفعت بالعالم نحو شفير حرب نووية قبل أن تعقد واشنطن وموسكو صفقة تركت كاسترو يندد وكوبا تراقب من على خط التماس، كما تقول سويج. كانت كوبا تحت حكم كاسترو، وما تزال، جزيرة صغيرة بطموحات كبيرة. وفي هذا الصدد، تجادل سويج بأن تاريخ كوبا الطويل من الانخراط الخارجي، كمساعدة الثوار وحركات التحرير في أفريقيا وأميركا الوسطى، إنما مرده إلى قناعات القيادة أكثر منه التوسع السوفييتي. ثم جاء انهيار الاتحاد السوفييتي، ومعه انقطاع الدعم والإعانات، مما أثر على الاقتصاد الكوبي في أوائل التسعينيات، وتسبب في أوقات عصيبة عانى فيها الكوبيون، لكنها في الوقت نفسه حررت كوبا من سطوة السوفييت. وخلافاً للتوقعات، تمكنت حكومة كاسترو من تخطي الصعوبات عبر السماح لعشرات الآلاف من الكوبيين بمغادرة الجزيرة عبر القوارب إلى سواحل فلوريدا، تنفيساً للضغط المتزايد داخلياً. ولكنها نجت واستمرت أيضاً لأن الثورة نشأت من الداخل. وضمن محاولاتها لتخفيف الضغوط الاقتصادية، عمدت الحكومة الكوبية إلى تقنين حيازة الدولارات الأميركية التي يتلقاها الكوبيون من أقاربهم في الولايات المتحدة. غير أن كاسترو قاوم مزيداً من الانفتاح الاقتصادي، حيث تقول سويج: "إن فيديل لا يترك أبداً أي أحد ينسى حساسيته الشديدة للربح وجمع الثروات والجشع واللامساواة الجماعية التي يقوم عليها السوق"، مثلما أنه لا يتساهل مع المنشقين. وتعتقد المؤلفة أنه مهما تكن التغيرات التي قد تحدث، فإن كوبا "من غير المرجح أن تتحول على المدى القريب إلى ديمقراطية سياسية متعددة الأطراف على غرار ما هو موجود في العالم الغربي الليبرالي". محمد وقيف الكتاب: كوبا: ما يحتاج المرء لمعرفته المؤلفة: جوليا سويج الناشر: أوكسفورد يونيفيرسيتي برس تاريخ النشر: 2009