ما زالت وتيرة أعمال العنف تتصاعد في إيران بعد أن أظهرت نتائج الانتخابات فوز الرئيس نجاد على منافسيه، وأهمهم الإصلاحي موسوي، الذي خرج أنصاره إلى الشارع -على مدى الأسبوعين الماضيين- واصطدموا مع قوات الأمن، ما أدى إلى سقوط ضحايا تتزايد أعدادهم، (وصل عدد القتلى إلى 26 شخصاً يوم الأحد الماضي). وقامت السلطات الإيرانية بحملات اعتقالات واسعة شملت نقابيين وإعلاميين، كما طردت أطقم وسائل الإعلام الأجنبية التي كانت تغطي الانتخابات في محاولة لعدم تسريب ما يجري على الساحة الإيرانية للخارج. وفي تطور مثير اعتقلت السلطات الإيرانية اثنين من القادة الإصلاحيين هما زعيم المعارضة الليبرالية إبراهيم يزدي والمعارض محمد تواصلي في إطار حملة واسعة ضد موجات الاحتجاجات. كما طالت يد الأمن اثنين من أبناء الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني حيث تم منعهما من السفر خارج إيران. ومعروف أن رفسنجاني يعارض سياسات نجاد. ويرى مراقبون أن موجة المظاهرات الاحتجاجية التي تحدث حالياً في إيران شبيهة بتلك التي شهدتها البلاد إبان الإطاحة بالشاه عام 1979. وكانت وسائل إعلام ودبلوماسيون إيرانيون قد اتهَموا المتظاهرين بأنهم يتحركون إثر "دعم أجنبي". واعتبرت السفارة الإيرانية في بروكسل أن المتظاهرين "فوضويون" ويتلقون "دعماً أجنبياً". وهذا ما حدا بالرئيس نجاد لتوجيه انتقادات للولايات المتحدة وبريطانيا داعياً لعدم تدخل البلدين في الشؤون الداخلية لبلاده. كما أعلن وزير الخارجية الإيراني يوم الأحد الماضي أن لبريطانيا "خططاً شريرة"! مشيراً إلى وصول عناصر بريطانية قبل الانتخابات وصفها بأنها "عناصر منتمية إلى جهاز المخابرات البريطاني". كما ندد بموقف الحكومة الفرنسية من الأحداث الجارية في بلاده. وتواجه إيران مأزقاً إعلامياً كبيراً في معالجتها لأحداث العنف التي تجتاحها. ففي الوقت الذي حظرت فيه على وسائل الإعلام الأجنبية تسجيل أية مواد تختص بالمظاهرات، يتم تسريب أشرطة للفضائيات والمحطات الإذاعية التي يملكها أثرياء إيرانيون معارضون في "لوس أنجلوس" بالولايات المتحدة. ومنها إحدى القنوات التي تبث بالفارسية في تلك المدينة. حيث تعرض المواد المحظورة في إيران، وتستضيف الشخصيات التي يفرض عليها النظام في إيران تعتيماً إعلامياً كاملا. كما تطورت الاحتجاجات لتشمل صفحات الإنترنت، حيث تم نشر شعارات ومناشدات لوقف ما سمي "قتل الأبرياء". ويوم الخميس الماضي دعا مجلس صيانة الدستور الإيراني ثلاثة مرشحين هُزموا في الانتخابات الرئاسية الأخيرة إلى اجتماع يوم السبت وذلك لبحث 646 شكوى تطعن في نتائج الانتخابات الأخيرة. وقال رئيس المجلس: "نحن مستعدون لإعادة فرز 10 في المئة من صناديق الاقتراع عشوائياً في حضور ممثلين عن المرشحين الخاسرين الثلاثة". لكن المرشح الإصلاحي الخاسر موسوي يريد إلغاء نتيجة الانتخابات وإجراء انتخابات جديدة. ويوم الجمعة الماضي بدا مرشد الثورة أكثر تشدداً في لهجته خلال خطبة الجمعة، حيث هدد بأنهم "إذا تصرفوا بشكل متطرف، فهذا التطرف سيبلغ حد اللاعودة وسيكونون مسؤولين عن إراقة الدماء والعنف والفوضى". كما أشار إلى نزاهة الانتخابات بقوله: "إن آليات النظام في بلدنا لا تسمح بحصول غش بفارق 11 مليون صوت" وتلك إشارة واضحة إلى فارق الأصوات بين الرئيس نجاد ومنافسه الإصلاحي موسوي. وألمح -خلال خطبة الجمعة- إلى قربه من نجاد بقوله: "إن آراء الرئيس أقرب إلى آرائي من آراء الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني". ومعروف أن مرشد الثورة له الكلمة العليا في قضية الانتخابات، ويتمتع بصلاحيات تخوله إلغاء نتيجة الانتخابات وإجراء انتخابات جديدة. وكان التلفزيون الإيراني قد بث خبراً مفاده أن مرشد الثورة قد أمر بدراسة شكوى المرشح موسوي التي طالب فيها مجلس صيانة الدستور بإلغاء نتائج الانتخابات. وحسب التلفزيون، فإن خامنئي قد طلب من موسوي مواصلة احتجاجه على الانتخابات بالطرق القانونية. وتلك إشارة واضحة لموقفه من المظاهرات والمواجهة مع رجال الأمن، أو نشر الأحداث الجارية على الساحة الإيرانية في الخارج. وقد شهد الأسبوع الماضي موجة أخرى من المظاهرات المنددة بنتائج الانتخابات. في الوقت الذي ارتفعت فيه شعارات لم ترتفع في طهران من قبل، مثل: "الإيرانيون يفضلون الموت على الإهانة" و"موسوي نحن معك". كما أعلنت الإذاعة الإيرانية عن اعتقال 457 شخصاً يوم الأحد الماضي. ويتخوف مراقبون من تحذير وزارة الداخلية الإيرانية، الذي قد يصل إلى مرحلة توقيف موسوي! حيث أعلن مدير عام الشؤون السياسية في الوزارة أن "عواقب مثل هذا التصرف والمظاهرات سيتحملها موسوي". وكان هذا الأخير قد أعلن وسط تجمع ضم عشرات الآلاف من أنصاره أنه مستعد للمشاركة في انتخابات جديدة. وكان الرئيس الإصلاحي السابق خاتمي قد وقف إلى جانب موسوي خلال الانتخابات؛ وانضم إلى المظاهرات التي جرت الأسبوع الماضي. وقال شقيق خاتمي، محمد رضا: "سنواصل تحركنا حتى إلغاء الانتخابات وتنظيم اقتراع جديد". وكان موسوي قد أشار سابقاً إلى عدم توفر بطاقات الاقتراع في مقار انتخابية، ما حرم المقترعين من الإدلاء بأصواتهم، كما قامت السلطات بالتشويش على الهواتف النقالة لمنع وصول رسائله للمقترعين. ووسط هذه الأجواء المحمومة أعربت الخارجية الأميركية عن "انزعاجها للغاية" جراء أعمال العنف، وحثت إيران على إجراء تحقيق شامل في "مزاعم" حدوث مشكلات في الانتخابات. كما أعلن أوباما وقوفه مع المتظاهرين وانتقد رد الحكومة الإيرانية، ووصفه بالعنيف. كما أعرب ساركوزي عن "القلق الشديد" لما يجري في إيران، ودعا إلى تقديم "إيضاحات كاملة عن نتائج الانتخابات". وكان بيان للرئاسة الفرنسية قد دان أعمال العنف ضد المتظاهرين واعتقال المعارضين والشخصيات السياسية والقيود على الحريات العامة. كما وصف وزير الخارجية البريطاني ما يجري في إيران بأنه "عنف دولة ضد شعبها". كما عبّر عن شكوكه إزاء نتائج الانتخابات في إيران التي أعادت نجاد إلى كرسي الرئاسة. ولفت النظر إلى الإجراءات التي قام بها النظام في إيران من تعطيل للرسائل النصية الهاتفية وإغلاق محطات التلفزيون وإلغاء المسيرات، واصفاً تلك الإجراءات بأنها "تتناقض مع الانفتاح النسبي للحملة الانتخابية نفسها". وكان الاتحاد الأوروبي قد حث إيران -الأسبوع الماضي- على عدم استخدام العنف ضد المتظاهرين المحتجين على نتائج الانتخابات، وقال بيان للاتحاد إنه "يحترم رغبة الشعب". كما دعت مفوضية العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي السلطات الإيرانية إلى "النظر في الشكاوى بوقوع مخالفات"؛ مُبدية احترامها لجميع الإيرانيين الذين أبدوا سخطهم وتظاهروا سلمياً. وتمنت أن "تحجم قوات الأمن عن استخدام العنف". كما دانت "منظمة العفو الدولية" المعنية بحقوق الإنسان العنف الذي مارسته قوات الأمن الإيرانية بحق المتظاهرين، وأشارت إلى اعتقال 170 شخصاً يوم السبت قبل الماضي. كما دعا الأمين العام للأمم المتحدة إلى "احترام كامل للإرادة الحقيقية للشعب" في إيران. وإذن فهذا هو الموقف أو المأزق الذي دخلت فيه إيران بعد الانتخابات الأخيرة. حيث يتخوف مراقبون من أن هذه الموجة من المظاهرات وأعمال العنف التي لم تشهدها إيران منذ سقوط الشاه لربما تكون مقدمة لأمور أكبر تعبر فيها كافة شرائح المجتمع الإيراني عن "تململها" من طبيعة النظام في إيران، ورغبة الأجيال الجديدة في إيران أكثر انفتاحاً وتفاعلا مع دول العالم. وإذا ما تمت إعادة الانتخابات؛ فإن وصول رجل إصلاحي مثل موسوي سيجعل إيران أكثر قبولا في المجتمع الدولي، ولربما أخرج بلاده من "دائرة السخط" التي لم تنفع الشعب الإيراني. كما أن تغيّر النهج الإيراني على كافة المستويات لربما دَرّ على البلاد مليارات الدولارات من الاستثمار الأجنبي، الأمر الذي سيسهم في حل مشكلات إيران الاقتصادية والبشرية.