رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو، ألقى خطاباً منذ أيام، أطاح بكل الآمال المعقودة على احتمال التسوية في المنطقة، وبكل مفاعيل خطاب الرئيس الأميركي، الذي ألقاه قبل ذلك في القاهرة. فالذين كانوا يعتقدون أو يميلون إلى الاعتقاد أن الإدارة الأميركية الجديدة ستكون عادلة، وأنه ستتم إدارة الحل القائم على أساس "الدولتين" دولة فلسطينية ودولة إسرائيل، أصيبوا بخيبة كبيرة، ولفّـهم الخوف والقلق من الموقف الإسرائيلي، الذي اعتبر من قبل الرئيس أوباما خطوة متقدمة وإيجابية، فقط لأن نتانياهو أشار إلى إمكانية قيام دولة فلسطينية! منذ انتخاب أوباما، ومع كل التاريخ السيئ والسمعة السيئة، والكوارث التي خلفتها إدارة الرئيس بوش، ومع كل الكلام الإيجابي، الذي أعلنه أوباما في أكثر من مناسبة، كنت أقول: العبرة في التنفيذ. والعبرة والمعيار هما في ما ستكون عليه الأمور في المنطقة، أي في حل المشكلة الفلسطينية، وعلى قاعدة إقرار حقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على أرضه، وعاصمتها القدس وضمان عودة اللاجئين في الخارج إليها. نتانياهو قال كلمته منذ أيام ليؤكد أنه لا حل، وأن لا تنفيذ لما سمع من أوباما وأقفل كل الأبواب إلا باب العنف المفتوح وباب الحروب، التي لن توفر أحداً. نعم، إسرائيل تريد الحرب ولا تريد التسوية. إسرائيل متمسكة بـ"قيمها ومبادئها وأسسها "أي بـ "الإرهاب والإجرام والاستيطان واستهداف الشعب الفلسطيني". نتانياهو يقول: - على الفلسطينيين الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية. يعني عليهم أن يدركوا أنهم معرضون للتهجير من داخل إسرائيل. فهذه الأرض ليست لهم وعددهم يزداد عليها وهذا خطر كبير. وهم يشكلون قنبلة ديموغرافية كما كان يقول ويكرر اليوم عدد من القادة الإسرائيليين. وهذا لا يمكن القبول به مستقبلاً لأن عدد الفلسطينيين-من وجهة نظرهم- قد يصبح أكبر من عدد الإسرائيليين. وبالتالي، فإن كلام نتانياهو يهدف إلى إسقاط حق بقاء الفلسطينيين على أرضهم. وفي الوقت ذاته يؤكد إسقاط حق عودة الفلسطينيين من الخارج إلى أرضهم، عندما يعلن أن حل مشكلة اللاجئين يكون في الخارج! أي في توطينهم حيث هم، أو في نقلهم وتهجيرهم إلى بعض المواقع التي يتواجدون عليها إلى مواقع أخرى! باختصار، هو يقول: أيها الفلسطينيون: اتركوا فلسطين، ولا تحلموا بالعودة إليها، إنها أرضنا وليست لكم! فأين تقام الدولة الفلسطينية التي أشار إليها إذاً؟ - الدولة هذه كما قال، ويجب أن تكون منزوعة السلاح، مكشوفة الأجواء، مفتوحة الحدود – غير المحددة – أمام كل أشكال الإرهاب الإسرائيلي تحت عنوان ضمان أمن إسرائيل بسلسلة من الإجراءات! وبالتالي: هل تقبل دولة في العالم هذه الشروط، أن تكون دولة "وهمية" بلا حدود، أو بحدود مؤقتة كما قال الرئيس الإسرائيلي، وبلا سلاح وبلا مؤسسات وبلا أمن؟ - وماذا عن القدس؟ القدس في نظر الإسرائيليين هي العاصمة الأبدية الواحدة الموحدة لإسرائيل الدولة الواحدة الموحدة لليهود! مع ضمان حق الصلاة فيها للمسلمين وغيرهم! ترى، هل يمكن أن يشكل هذا الطرح حلاً؟ ليعتبر خطوة إيجابية في نظر الرئيس أوباما؟ بعد ستين عاماً من الاغتصاب والإرهاب، ينتظر العالم كلمة من الإسرائيليين، فتأتي واعدة بحروب جديدة، قد تستمر عقوداً من الزمن، لأن فيها إصراراً على الاستباحة والقتل وممارسة الإرهاب بحق الشعب الفلسطيني صاحب الأرض والتنكر لكل حقوقه... وماذا يعني ذلك؟ بالتأكيد، لا مجال للتفاوض مع إسرائيل، إذ لم يترك نتانياهو شيئاً للتفاوض عليه. والأخطر، هو أنه أبدى أسفه بكل وقاحة وعنجهية لردود الفعل العربية التي جاءت لتجمع على رفض مضمون خطابه ولتطالب الإدارة الأميركية بمواقف جدية وعملية من هذا التوجه، لكن شيئاً من هذا لم يحصل... يعني، نحن ذاهبون إلى مواجهات جديدة في فلسطين وربما لبنان وغيرهما من المواقع، لأن مثل هذا التوجه الإسرائيلي لا يمكن أن يؤدي إلى تسوية وأمن واستقرار. وإذا ما ربطنا الكلام بالفعل والممارسة، ونظرنا إلى التعبئة داخل المجتمع الإسرائيلي والمناورات العسكرية، والاستعدادات العسكرية وحجم المساعدات، ونوعية السلاح الجديد المتطور الذي استلمه الجيش الإسرائيلي من الولايات المتحدة، لأدركنا أكثر فأكثر ضرورة التنبه إلى خطر الحرب ونتائجها المرتقبة من الآن. ويُضاف إلى ذلك العمل الأمني الإسرائيلي في كل مكان، وخصوصاً في لبنان من خلال كشف شبكات التخريب الإسرائيلية المكلفة بالقيام بأعمال أمنية كافية لتهز الوضع اللبناني، وتعيد لبنان إلى دائرة الفوضى والصراعات المذهبية والطائفية. إن المطلوب عربياً موقف موحد من هذه السياسة الإسرائيلية، وموقف جديد وحاسم من الإدارة الأميركية. وحسناً فعل الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي عندما أعلن: "إن الإدارة الأميركية قادرة على فرض الحل في المنطقة إذا كانت تريده". والحل معروف: دولة فلسطينية مستقلة وعودة اللاجئين كما نصت على ذلك المبادرة العربية التي كان قد أعلن الوزير السعودي نفسه وغيره من المسؤولين العرب أكثر من مرة أن هذه المبادرة لن تبقى إلى الأبد أمام إسرائيل. ولذلك ينبغي اليوم البحث في البدائل! كيف يمكن أن يواجه السياسة الإسرائيلية؟ والمطلوب فلسطينياً وحدة موقف بالحد الأدنى. فالمواقف الإسرائيلية لا تؤيد فريقاً فلسطينياً وتعادي آخر، ولا تميل إلى فريق وتبتعد عن آخر، ولا تريد مصلحة فريق وتستهدف آخر، إنها تستهدف الشعب الفلسطيني بكل فئاته وتستهدف كل حقوقه. ولا يجوز بقاء الوضع الفلسطيني على ما هو عليه، وقاعدة الاتفاق يجب أن تكون التمسك بالحقوق وأهمها حق الدفاع عن الحق والقضية والأرض والتاريخ والحاضر والمستقبل إلى أن يكون الحل العادل. يجب التطلع إلى "فتح" فلسطينية جديدة، وفتح صفحة جديدة في العلاقات الفلسطينية – الفلسطينية والفلسطينية – العربية، للعمل من أجل تحقيق فتح فلسطيني على الأرض في الداخل! ويجب التطلع في حماس إلى هذه العناوين، وقيام "حماس" بخطوات تكرس وحدة الصف الفلسطيني وحقوق الشعب الفلسطيني ليكون حماس في الخارج عند العرب وغيرهم لمزيد من الخطوات التي توفر كل أشكال الدعم المطلوب لهذا الشعب ومؤسساته وقواه المناضلة. أما في لبنان، وبعد الانتخابات، وفي ظل الإجماع تقريباً الذي شهدناه في المواقف الرافضة لخطاب نتانياهو والمنددة به والمحذرة من إطلالة مشروع التوطين بجدية وقوة، فإن المطلوب أيضاً الاستفادة من هذا المناخ لتفعيل الحوار حول الاستراتيجية الدفاعية ليكون موقف موحد وإجماع حول المقاومة في وجه العدو، ولتوحيد الصف الداخلي وقيام مؤسسات وطنية لبنانية بدءاً من الحكومة الجديدة المرتقب تشكيلها من أجل مواجهة مخاطر المرحلة المقبلة، وليس ثمة مبرر لدى أي منا للتلكؤ أو التقصير في هذا المجال. الكل مهدد، والكل مدعو إلى رفع التهديد عنه وعن لبنان.