هناك نظرة معيّنة إلى المهن اليدويّة لدى شريحة من المجتمع الإماراتي ترى أنها أقلّ من المهن الأخرى وتجعل صاحبها في مرتبة أدنى على السلّم الاجتماعي، وهذا يمنع الإقبال عليها من قبل المواطنين. ولذلك فإن نموذج المواطن الذي يعمل ميكانيكي سيارات ويعتزّ بمهنته وسلّطت صحيفة "الإمارات اليوم" الضوء على تجربته، مؤخراً، ينطوي على أهمية كبيرة، لأنه مثال على مخالفة بعض الصور النمطية المشوّهة عن بعض الوظائف، وكسر للقيود الاجتماعية التي تحول دون الانخراط في أعمال بعينها على الرغم من أهميّتها الكبيرة من الناحية الاقتصادية. سوق العمل في دولة الإمارات يحتاج إلى مثل هذا النموذج بإلحاح، خاصة أنه يعاني اختلالا كبيراً لمصلحة الوافدين، أحد أسبابه عزوف كثير من العناصر المواطنة عن العمل في القطاع المهني ومن ثم تركه، وهو قطاع ضخم يضمّ نسبة كبيرة من العمالة في الدولة، للوافدين. عزوف المواطنين عن العمل في المهن اليدوية، يؤثّر في خياراتهم التعليمية، بحيث يبتعدون عن مجالات الدراسة الفنية، وهذا يهدّد قطاع التعليم الفني في الدولة الذي تعول عليه الدولة كثيراً وتعطيه أهمية كبيرة، نظراً إلى دوره الأساسي في عملية التنمية الشاملة. الحاجة إلى الوظائف المهنية كبيرة في سوق العمل الإماراتي، ولذلك فإن خرّيجي المدارس الفنية لا يعانون البطالة التي يعانيها غيرهم من خرّيجي بعض المساقات التعليمية الأخرى، ومن ثم فإن انخراط العناصر المواطنة في التعليم الفني هو طريق مضمون للعمل ومن ثم المساهمة في مواجهة مشكلة البطالة التي وصلت، وفق المسح الذي أجرته وزارة الاقتصاد مؤخراً لقوة العمل في الدولة، إلى أكثر من 13 في المئة بين المواطنين. الواقع يشير إلى أن المهن اليدوية والفنية تلعب دوراً محورياً في المجتمع على المستويات المختلفة، وموقعها أساسي في عملية التنمية المستدامة التي تسعى الدولة إلى تحقيقها، وهذا هو الحال في دول العالم المتقدّمة في الشرق والغرب، ولذلك فإن هناك حاجة إلى تغيير النظرة إلى هذا النوع من المهن من قبل المجتمع، بحيث لا يصبح الانتماء إليها سبباً للخجل أو الانزواء، وإنما مصدراً للاعتزاز والرضا عن النفس، لأن المهنيين يشاركون بقوة في نهضة بلادهم وتقدّمها. لا شك في أن هذا التغيير "الثقافي" سوف يحتاج إلى بعض الوقت، لأن الأمر يتعلّق بتوجّهات اجتماعية تكرّست على مدى فترة طويلة، كما أنه من مسؤولية جهات عديدة في المجتمع، منها مؤسسة الأسرة والمؤسسات التعليمية، خاصة في المراحل الأساسية، ووسائل الإعلام، ومؤسسات المجتمع الأهلي، وغيرها من الجهات المعنيّة بزرع القيم والتوجّهات. وتمثّل القدوة والنماذج الحيّة عاملا أساسياً لتغيير الصورة المشوّهة عن المهن اليدوية ربما أكثر تأثيراً من غيرها من العوامل الأخرى، ومن ثم فإن التسليط الإعلامي على هذه النماذج، كما حدث مع المواطن الذي تحدّثت صحيفة "الإمارات اليوم" عن تجربته منذ أيام، والاهتمام بها ورعايتها وتقديمها بشكل إيجابي إلى المجتمع، إنما يمثّل خطوة كبيرة على طريق تبديد الصورة السلبية عن العمل اليدويّ على المستوى الاجتماعي. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.