يعتبر هذا الكتاب من أهم الإصدارات والمراجع الحديثة المتخصصة في كيفية تناول الصحافة البريطانية للإسلام خلال السنوات الأخيرة الماضية، والتي تم فيها الربط المتعمد بين الإسلام وظواهر العنف والتطرف والإرهاب التي سادت العالم قبل وبعد هجمات 11 سبتمبر. يحمل الكتاب عنواناً فرعياً مكملاً لعنوانه الرئيسي هو: "أثر الاستشراق على تصوير الإسلام في الصحافة البريطانية"، وقد اختار المؤلف تحقيقاً لأهداف دراسته تغطية ثلاث من كبريات الصحف البريطانية اليومية للإسلام: "الجارديان"، "التايمز"، و"الإندبندنت". وتقيدت الدراسة بتغطية الصحف المحددة للإسلام في أربعة أحداث هي: فتوى الخميني بإهدار دم الروائي سلمان رشدي في عام 1989، صعود حركة "طالبان" إلى سدة الحكم في أفغانستان عام 1996، الهجمات على السياح الأجانب في الَأقصُر بجمهورية مصر العربية عام 1997، وأخيراً هجمات 11 سبتمبر على مدينتي نيويورك وواشنطن في عام 2001. وإلى جانب المقدمة وخلفيات الدراسة، يقع المتن الرئيسي للكتاب في ثلاثة أبواب، تناول أولها موضوعي الإسلام والغرب المسيحي: خلفية تاريخية، ثم الإسلام والأصولية الإسلامية في الخطاب الغربي. وفي الباب الثاني وقف المؤلف على سبعة مواضيع أساسية هي: القضايا النظرية والمنهجية المتعلقة بتحليل الخطاب ومفهومي الهيمنة والتطبيع، مسألة سلمان رشدي، صعود حركة "طالبان" إلى السلطة، مذبحة السياح الأجانب في الأقصر المصرية، وصولاً إلى هجمات 11 سبتمبر. ويعتبر الباب الثالث من الكتاب باباً ختامياً لخص فيه المؤلف أهم ما توصل إليه في دراسته من استنتاجات وملاحظات. هذا من حيث الشكل والبناء الهيكلي للكتاب. أما من حيث المضمون، فينطلق الكاتب من القول إن الصحافة تحولت إلى ظاهرة أشبه بالنسيج العنكوبتي الذي يلف مجمل نواحي حياتنا اليومية وتفاصيلها. وهي في ذلك تؤدي وظيفة معقدة بربطها للكثير من جوانب الحياة ببعضها البعض. ثم يمضي إلى القول إن العقدين الأخيرين شهدا عدداً من الأحداث الكبرى ذات الصلة بالعالمين العربي والإسلامي، لاسيما صعود "النسخة المتطرفة من الإسلام". ولذلك السبب فلطالما اهتمت الصحافة البريطانية بالتغطية المكثفة لما يجري في العالمين العربي والإسلامي، بتركيز خاص على منطقة الشرق الأوسط. وكان دافع الصحافة البريطانية وراء ذلك الاهتمام، سلسلة من الأحداث التي بدأت بالفتوى الصادرة بإهدار دم الكاتب الروائي سلمان رشدي، ثم حرب الخليج الأولى في عام 1991، وصولاً إلى هجمات 11 سبتمبر، وما تبعها من حرب على أفغانستان والعراق. وما بين هذه الأحداث الرئيسية تقع مجموعة من الأحداث التي تندرج في السياق نفسه، منها على سبيل المثال: تفجير السفارتين الأميركيتين في كل من تنزانيا وكينيا عام 1998، أحداث العنف الدموي في الجزائر على أيدي الجماعات الإسلامية عامي 95-1996، الهجوم على المدمرة الألمانية "كول" في سواحل اليمن، واندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000. ومن رأي الكاتب أن أهم دور لعبته الصحافة البريطانية في تناولها لهذه الأحداث هو تحديدها للأجندة وتصويرها لها. على أن تحديد الأجندة يشمل في ما يشمل: قدرة الصحافة على لفت انتباه الجمهور للقضايا التي ترى أهميتها أكثر من غيرها في وجهة نظرها. وتندرج في الوظيفة نفسها قوة تأثير الصحافة وممارسة نفوذها على الجمهور بتصويرها للأحداث والقضايا التي تتناولها. والمقصود بتصوير الأحداث، اللغة التي تستخدمها الصحافة في توصيل رسالة هادفة ذات معنى إلى الجمهور، أو تصويرها للعالم. يلاحظ الكاتب -وهو ما يتفق مع رأي باحثين آخرين- أن الطريقة التي يصور بها الإسلام في الصحافة البريطانية المعاصرة هي صورة شائهة، تجعل منه أشبه بالعفريت أو "البعبع" المخيف. ذلك أن صورة الإسلام في الصحافة المذكورة كثيراً ما عززت فكرة كون الإسلام مهدداً أمنياً للغرب بثقافته وقيمه وحضارته بوجه عام. وهي صورة نمطية جاهزة بالطبع، كرّس المؤلف الباب الثاني من كتابه لتشريحها وتفنيدها ونقدها. وضمن هذه الصورة، يلاحظ ربط العديد من الباحثين الغربيين المستشرقين لظاهرتي العنف والإرهاب ربطاً معمماً، لا يقتصر على العناصر والتيارات والحركات الممثلة للتطرف الإسلامي الأصولي، إنما يدمغ الإسلام والمسلمين جميعاً بوصمة العنف والتطرف والإرهاب. بل إن أهم نزعة لهذه البحوث صبغها لعنف وإرهاب الجماعات المتطرفة بصبغة الإسلام. منهجياً قسّم الكاتب الأحداث التي اتخذت منها الصحف البريطانية أساساً لرسم وبناء الصورة النمطية السالبة الجاهزة التي تروج لها، إلى ثلاث فئات؛ تعود أولاها إلى عام 1979 الذي شهد انطلاق الثورة الإسلامية الإيرانية، وما يشاع عن دعم إيران ورعايتها للإرهاب. تليها الفئة الثانية ذات الصلة بمجمل أحداث العنف التي ارتبطت بالجماعات الإسلامية المتطرفة في عدد من الدول العربية والإسلامية. وتحت الفئة الثالثة والأخيرة تندرج سلسلة من الأحداث التي تبدأ بإصدار فتوى قتل سلمان رشدي، مروراً بتفجيرات مترو باريس عام 1996 ثم الهجوم على المدمرة "كول" عام 2000، وصولاً إلى هجمات 11 سبتمبر وما قبلها وأعقبها من أحداث. إلى هنا يؤكد الكاتب بتحليله الخاص، ما ذهبت إليه الباحثة "إليزابيث بول" من أن الصحافة البريطانية تلعب دوراً ملحوظاً للغاية في إلهاب نيران "الإسلاموفوبيا" وعرقلة إدماج المسلمين في المجتمع البريطاني، ما يعني تشجيعها للتمييز ضد المسلمين. عبد الجبار عبد الله الكتاب: الإسلام في الصحف البريطانية المؤلف: الزين الجمري الناشر: مطبعة "إيثاكا" تاريخ النشر: 2008