ما يجري في اليمن هذه الأيام لا يُسعدنا كعرب، بل يُكدّر خواطرنا ويُدخلنا مدارات الدهشة والخوف والترقب. كما يجعلنا مُستَنفرين لما يُمكن أن يحمله الغدُ من أخبار. وطبقاً لما صرّح به وزيرُ الإعلام اليمني الأسبوع الماضي، فإن معلومات توفرت لدى الحكومة اليمنية تثبت تورّطَ مرجعيات وتجمعات إيرانية في الوقوف خلفَ تنفيذ مُخطط صهيوني يسعى إلى تقسيم اليمن وإقامة دويلات طائفية داخل الوطن العربي. وأشار الوزير إلى أنه تم اعتقال 248 متهماً بالقيام بأعمال تخريبية خلال موجات الشغب التي شهدتها بعض المناطق في المحافظات الجنوبية. وكانت السلطات اليمنية قد اتهمت طهرانَ ومرجعيات شيعية إيرانية، وأخرى في دول عربية، بدعم ومساندة حركة "التمرد" الحوثية في محافظة "صعدة". إيران بدورها نفت أية علاقة لها بما يجري في اليمن. وقد أكد رئيس مجلس الشورى الإيراني خلال زيارته الأخيرة لليمن قبل أسبوعين، أن إيران تقف إلى جانب اليمن وتساند كل ما من شأنه الحفاظ على أمنه واستقراره ووحدته. من جانب آخر هدد تنظيم "القاعدة" في اليمن، في شريط مُصور، باستئناف عمليات التصفية الجسدية لمسؤولين حكوميين وضباط أمنيين. ونعتقد أن الرؤية يجب أن تكون شاملة عند مناقشة هذه القضية. إذ أن لها أبعاداً متشعبة لا يدركها إلا اليمنيون أنفسهم، مِمن يعيشون وسط الحراك الحالي. إذ رغم أن الرئيس صالح قد عززَ من مواقعه، ونال ثقة الدول الكبرى بإعلانه المساهمة في القضاء على الإرهاب، فثمة مصاعب تواجه جهوده لتهدئة الأوضاع، لأنه يحتاج إلى دعم دولي وإقليمي. كما أن حالة الاستياء من سوء الأحوال المعيشية للجنوبيين قد فرضت تحديات لابد من مواجهتها. اليمن بلد يعاني غياب خطط التنمية وقلة فرص الوظائف وتراجع أداء الاقتصاد وازدياد النزاعات القبلية. فقد خلقت الوحدة واقعاً جديداً يستشعرهُ الجنوبيون سلباً، ناهيك عن التراجع في معدلات الاستثمار، علماً بأن نفط الجنوب لم يتم استغلاله بصورة ترفع المعاناة عن كاهل الاقتصاد اليمني. ويشير التصنيف السنوي الذي وضعه "مركز أبحاث صندوق السلام الأميركي" وأعدته مجلة Foreign Affairs الأميركية لعام 2008، أن اليمن قد حلّ في المرتبة 21 ضمن الدول الفاشلة التي بلغ عددها 177 دولة. كما أشار التقرير إلى غياب الشفافية وضعف الثقة في المؤسسات وفي العملية السياسية، وهو ما يؤدي إلى مقاطعة الانتخابات وانتشار التظاهرات ومظاهر العصيان وارتكاب الجرائم. وقد حصل اليمن على 8 نقاط من أصل عشر نقاط في هذه الفئة. كما حصل مؤشر الانشقاق داخل النخب الحاكمة على نسبة 8.9 نقاط من أصل عشر. كما أشار التقرير إلى المشاكل الأخرى المتعلقة بالضغوط الديموغرافية (سوء توزيع السكان وزيادة أعدادهم) حيث حصل اليمن على 8.6 نقطة من أصل عشر. ناهيك عن عدد اللاجئين والمُهجّرين والمشاكل الأمنية والاجتماعية التي يثيرونها، وقد وصلت النسبة في هذه الفئة إلى 7.2 نقطة من أصل عشر. ومعلوم أن اليمن يُصدّر نحو 85 ألف برميل يومياً من النفط، وما يعادل ذلك من الغاز الطبيعي. حيث بلغت عائدات النفط في عام 2007 أكثر من 970 مليون دولار. كل ذلك من حقول الجنوب (مأرب وحضرموت وشبوه). حيث يسود الجنوبيين شعورٌ بأن ثروات اليمن يجب أن تكون لكل اليمنيين. وهذا ما يمكن أن يعززَ الشكوك والاحتمالات لدى البعض بأن الانفصال يبقى أحد السبيل أمام الجنوبيين! ومعلوم أن الوحدة بين الشطرين قد نجحت عام 1990، لكنها تعرضت لأزمة حادة عام 1994، عندما طالب قادةٌ جنوبيون بالانفصال؛ ودارت مواجهات عنيفة سقط فيها الآلاف، وانتهت بهزيمة الانفصاليين الجنوبيين الذين كان يُمثلهم "الحزبُ الاشتراكي اليمني". وقبل أيام خرج الآلاف من الجنوبيين المُحتجين إلى الشوارع في محافظات عدة، مُنددين بالحكومة ومُطالبين بالانفصال، حيث لقي 18 شخصاً مصرعهم عند اشتباكهم مع قوات الأمن. ويقول أكاديميون يمنيون إنه ما لم يجر حل الأزمة بصورة سريعة، فإن المُطالبين بالانفصال سوف يجدون لهم مناصرين من العاطلين عن العمل. ورأت مُحللةٌ أميركية مختصة بالشؤون اليمنية أن "حركة الجنوب ظلت تكتسب زخماً على مدى العامين الماضيين. وأضافت "إن استمرار الهجوم العسكري على المُحتجين والصحفيين والنشطاء الجنوبيين سوف يلهبُ المشاعر ويُعزز منطقَ الانفصال. وكان آخر تقرير للجنة الدولية للصليب الأحمر صدر في 10 مايو الماضي، قد ذكرَ أن 100 ألف شخص تقريباً تأثروا بشكل مباشر بالمواجهات بين القوات الحكومية والمتمردين في محافظة صعدة شمال البلاد. وطبقاً للناطقة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر، فإنه يوجد 40 ألف نازح في مدينة صعدة وحدها؛ من بينهم 7888 شخصا يعيشون في المخيمات، وأن ما بين 5 و7 آلآف شخص نزحوا في الأسبوع الأخير من شهر مايو. وفي تطور آخر، وبينما يحتفل اليمنُ بالذكرى التاسعة عشرة للوحدة، أعلن الرئيسُ الجنوبي السابق علي سالم البيض الانفصالَ بين الشمال والجنوب. وردّ رئيسُ الدائرة السياسية في حزب "المؤتمر الشعبي" الحاكم في اليمن على تصريحات "البيض" بالقول إنها "لا تعني شيئاً لليمنيين"، وأن هناك مؤامرة تحاك ضد الوحدة اليمنية، مُعتبراً أن "الوحدة اليمنية سوف تبقى شامخة ومنتصرة بإذن الله وبإرادة الشعب الواحد". لكن ماهي السيناريوهات المُحتملة لما يجري في اليمن حالياً؟ قد تزداد المواجهة بين قوات الأمن والمحتجين الجنوبيين، وبالتالي ستزداد حدة العنف، في ما يشبه عودة لمواجهات عام 1994. وفي ظل احتمال كهذا ستتراجع الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وستزداد فرص التدخلات الخارجية. ولا شك أنه أصبح من الضروري تطبيق إجراءات إصلاحية وتصالحية، لمنح اليمنيين وضعاً أفضل في الدولة الواحدة.