أوباما يزور أوماها بيتش في 6 يونيو 2009 في الذكرى 65 السنوية، حيث تم إنزال النورماندي، لكن مذبحة النورماندي متواضعة أمام عملية بارباروسا! ولعل أهم شيء يذكرنا بريح عاد، وأعمدة إرم، وفساد فرعون، وصخور ثمود وناقة صالح... أي الأحداث التي لم يشهد الجنس البشري لها مثيلا، هو عملية بارباروسا. إن أمثلة القرآن ليست حصرية، بل نماذج من فظاعات أعمال الإنسان، يمكن أن تصعد إلى سقف القوة والجبروت، ثم الانهيار؛ لذلك وجبت الاستفادة من درس التاريخ، وإلا فدفع الفواتير مع الفوائد المركبة. كان ذلك في الكتاب مسطورا.. في 22 يونيو عام 1941، عند الساعة الثالثة صباحاً، تم إيقاظ الزعيم الفاشي الإيطالي "بينيتو موسوليني" من فراشه ليقرأ خطاب هتلر عن اجتياح الاتحاد السوفييتي: "عزيزي بينيتو إنني أشعر بنفسي الآن حراً من جديد. لقد كان التحالف مع ستالين ضد طبيعتي، وإنني سعيد جداً الآن بأنني تخلصت من هذا العذاب النفسي". كان هتلر قد غيّر اسم الحملة من "فريتس" إلى (بارباروسا)، تيمناً بالملك فردريك الأول الذي قاد حملة صليبية في القرن الثاني عشر، وغرق في النهر عند الأتراك! أما ستالين فعندما أيقظه المارشال "جوكوف" من نومه، صاح به متوعداً: هل تريد الحرب؟ ألم تكف النياشين التي زخرفت بها صدرك؟ ألم تشبع من المناصب؟ أم تريد رتبة أعلى؟ إنها مكيدة الجنرالات الذين يفتعلونها! ومع نسمات السحر كانت القوات النازية تعبر الحدود كأنها جراد منتشر. مهطعين السير باتجاه موسكو وليننغراد وستالينغراد في ثلاثة محاور. وكان هذا أكبر زحف وأعظم جيش عرفه التاريخ باتجاه الشرق في يوم نحس مستمر. تكونت الحملة من ثلاثة ملايين وستمائة ألف جندي، محمولين على ظهر 600 ألف عربة عسكرية، و3350 دبابة، وأكثر من ثلاثة آلاف طائرة حربية يقودها طيارون مدربون و625 ألف حصان. وكانت توقعات هتلر أن الاتحاد السوفييتي لا يزيد عن بيت كرتون وأن زواله مسألة أسابيع قليلة. كانت نشوة الظفر مع الحرب الصاعقة والقوات المدرعة المحمولة، شيئا لم يعهده العالم من قبل؛ فكما فاجأ جنكيز خان شعوب القرن الثالث عشر بنظام القوات المحمولة على ظهور الخيول؛ فعل هتلر نفس الشيء بحمل الجنود على ظهور المدرعات! وبهذه الطريقة اجتاح "غودريان" بعرباته المدرعة ودباباته خط ماجينو كما يقطع السكين الزبدة. وتنقل لنا يوميات "غوبلز"، وزير الدعاية النازي، أن هذا الارتطام يشكل صدفة عمياء؛ ففي نفس اليوم، 22 يونيو قبل 129 سنة، اجتاح نابليون روسيا بنصف مليون جندي، ورجع مهزوما مدحورا، بعد أن هلك 95 في المئة من جيشه الكبير، فعاد يجر أذيال الخيبة وقضى على من بقي من جنوده الجليد والمسغبة والمرض. ويعتبر المؤرخ البريطاني"إيان كيرشو" أن حجم الارتطام العسكري الذي بدأ في يونيو 1941، فاق كل تصور، وقرر نهاية الحرب الكونية، فإمبراطورية هتلر يومها امتدت من حافة الأطلنطي إلى نصف بولندا، ومن القطب الشمالي إلى جزيرة كريت، وكانت النرويج والدانمرك قد استسلمتا، وتم اجتياح فرنسا بحرب صاعقة. وفي أسابيع قليلة تم احتلال البلقان، ولم يبق في الميدان إلا بريطانيا التي سقطت قواتها بمئات الآلاف على الأرض الفرنسية في "دين كيرشن" ثم تركها هتلر تنجو تحت مرمى مدفعيته وتنسحب على زوارق الصيد في سر غامض. وفي الشمال الأفريقي كان يتقدم ثعلب الصحراء رومل باتجاه مصر وينابيع النفط في الشرق الأوسط، في الوقت التي زحفت القوات النازية باتجاه باكو في أذربيجان، لترفع الصليب المعقوف فوق أعلى قمة في قفقاسيا (البروس). كان واضحاً أن هتلر يقوم بتطويق العالم القديم، لولا عقدة ستالينجراد التي لا تشكل أي قيمة استراتيجية في عملية التطويق، سوى أنها تحمل اسم الطاغية ستالين، لكن ليقضي الله أمراً كان مفعولا.