يتسبب اتجاه الكونجرس المتسارع نحو تبني الطاقة الشمسية، في نتائج غير مقصودة قد لا تحقق الهدف النهائي من اعتماد الطاقات البديلة. ففي حال الموافقة على إقامة محطات توليد الطاقة الشمسية في الصحاري الأميركية ستتحول مساحات شاسعة من الأراضي التابعة للقطاع العام إلى أيدي الخواص التي تمثلها شركات الطاقة، وهو ما سيقود في النهاية إلى استنزاف مليارات الجالونات من المياه في المناطق الصحراوية بالولايات المتحدة. فبحلول عام 2015 يريد الكونجرس من وزارة الطاقة أن تسهل إقامة محطات لتوليد الطاقة الشمسية تُنتج ما لا يقل عن عشرة آلاف ميجاوات من الكهرباء. وقد جاء قانون سياسة الطاقة الذي أُقر في عام 2005 ليؤكد التوجه الجديد وليُطلق سباقاً محموماً لامتلاك الأراضي من قبل الشركات المختلفة لإقامة مشاريع توليد الطاقة وللحصول على تراخيص بناء المحطات في ولايات أريزونا وكاليفورنيا وكولورادو ونيفادا ونيو مكسيكو ويوتاه. وفي هذا الإطار تلقى مكتب إدارة الأراضي التابع للحكومة الفدرالية ما لا يقل عن 158 طلباً للحصول على تراخيص، ابتداء من أواسط شهر مارس الماضي، لبناء محطات توليد للطاقة الشمسية تغطي مساحة واسعة من الأراضي تقدر بملايين الهكتارات وتفوق ولاية رود آيلند، بحيث تقع معظم المشاريع التي اقترحتها الشركات على السلطات الفدرالية بالقرب من حدود أريزونا وكاليفورنيا ونيفادا، كما تبدو المنطقة المعروفة بصحراء "موجافي" الأنسب لإقامة المحطات لانبساط تضاريسها أولا ولتوافر أشعة الشمس، لكن ما ينقص المنطقة هو المياه الضرورية لتشغيل المحطات. فمعظم الناس يعتقدون أن الطاقة الشمسية تنحصر في اللوحات الكبيرة التي توضع على أسطح البنايات والمنازل وتساعد في توليد الكهرباء، بحيث تعمل هذه اللوحات على تحويل أشعة الشمس إلى كهرباء بشكل مباشر، لكن هذه الطريقة مازالت حتى اليوم باهظة التكلفة ويصعب تسويقها إلى عدد أكبر من المستهلكين مقارنة بالأسعار المنخفضة لوسائل توليد الطاقة التقليدية. ولا ننسى أن تلك اللوحات التي تعتمد على تدفق أشعة الشمس تتوقف خلال ساعات الليل، وإن كان مما يحسب لها هو استغناؤها عن الماء وعدم احتياجها له. لكن في المقابل تستخدم المحطات الكبرى لتوليد الطاقة الشمسية التي يراد إقامتها في المناطق الصحراوية نظاماً مختلفاً يعتمد على تركيز الطاقة الشمسية التي بدورها تسخن سائلا خاصاً يعمل على إدارة المحركات وتوليد الكهرباء، وعلى غرار باقي وسائل توليد الطاقة الحرارية يتم إنتاج مخلفات حرارية تحتاج إلى التبريد. وهنا يدخل دور الماء الذي يحول الحرارة إلى بخار يطلق في الهواء ما يستدعي توفير كميات كبيرة من الموارد المائية. والواقع أن هذه التقنية التي تعتمد على تركيز الطاقة الشمسية ثم تبريد المخلفات ذات الحرارة المرتفعة لتتحول إلى بخار تحتاج من المياه ما يفوق حاجة الغاز الطبيعي بأربع مرات، وأكثر بمرتين مما تستخدمه محطات الفحم الحجري. ورغم إمكانية استخدام تقنية التبريد الهوائي التي تغني عن الماء، فإن الشركات التي تطرح مشاريع قائمة على تركيز الطاقة الشمسية تواجه مشكلة في التطبيق تتمثل في ارتفاع درجة حرارة الجو في الصحراء بحيث تصبح عملية التبريد الهوائي غير كافية للتعامل مع المخلفات ذات الحرارة المرتفعة. وحسب تقرير لوزارة الطاقة، تكلف المحطات التي تعمل بالتبريد الهوائي أكثر من مثيلاتها المائية بنسبة 10 في المئة كما تولد 5 في المئة أقل من الكهرباء، ناهيك عن المساحة الأوسع التي تحتاجها تلك المحطات ما يضاعف تكلفة البناء. ونظراً للمنافسة التي تواجهها الطاقة الشمسية من قبل المصادر التقليدية الأخرى لإنتاج الطاقة، مثل الغاز الطبيعي والفحم الحجري ذات التكلفة المنخفضة، فمن الطبيعي أن تتجه الشركات إلى أنظمة التبريد المائي. ومع أنه لحد الآن لم تحصل شركات الطاقة على تراخيص كثيرة لإنشاء محطاتها في المناطق الصحراوية، فإن ذلك في طريقة إلى التغير في ظل التقييم الذي تجريه إدارة أوباما حالياً لتشجيع الطاقة الشمسية، وهذا التقييم سينتهي في السنة المقبلة. وتحاول بعض الجهات، مثل مصلحة المتنزهات الوطنية المنشغلة بالتأثير المحتمل للمحطات التي تعمل بتقنية التبريد المائي على أنواع الحياة المهددة في بعض المناطق الصحراوية، الضغط على الحكومة الفدرالية لمنع إصدار تراخيص لتلك المحطات. والحقيقة أن انشغال مصلحة المتنزهات الوطنية في محله، بحيث يتعين على إدارة أوباما التشديد على استخدام المحطات المراد إنشاؤها لتقنية التبريد الهوائي بدل الماء، لأنه من غير المجدي الاستثمار في حفر عدد كبير من الآبار في صحراء أريزونا في حين لا تمتلك سوى القليل من الماء. وفي حال أصرت شركات الطاقة على استخدام تقنية التبريد المائي، فإنه يمكنها شراء الأرض وحقوق استغلال المياه من القطاع الخاص، وهو ما قامت به شركة الخدمات العامة المسؤولة عن تزويد ولاية أريزونا بالكهرباء عندما دخلت في شراكة مع شركات توليد الطاقة الشمسية لبناء محطات كبيرة على أراض خاصة، وتم اللجوء إلى أراض زراعية تستهلك كميات أكبر من الماء مقارنة بالمحطات نفسها، وهو نموذج يمكن تعميمه في جميع الولايات الأخرى، لاسيما في ظل شح المياه الذي ستواجهه أميركا في المستقبل والحاجة إلى الحفاظ عليه. روبرت جلينون ـــــــــــــــــــــــــــــــ كاتب أميركي متخصص في الشؤون العلمية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنط بوست"